محب الدين الخطيب الباحث عن قيامة العرب

نهض من ركام الأحزان باحثًا عن المعنى؛ فتغبّرت قدماه بتراب دمشق، وإسطنبول، وعدن، والبصرة، ومكة، والقاهرة. علَّمته الرحلة أن هذه الأمَّة قوة معطَّلة، فحمل مطبعته، وكوَّن التنظيمات والجمعيات، وشارك في الحروب والثورات؛ أملًا في العثور على فارس يجمع الشتات، ويحيي الموات، فهل أنجز هدفه؟

محب الدين الخطيب الرجل، الذي قاده إيمانه بالأمة العربية والدور المنوط بها في خدمة الإسلام إلى السجون وأعواد المشانق؛ فكان مثالًا لجندي العقيدة، الذي يهب عمره للرسالة غير منتظر وجاهة أو مكانة، فأتته الدنيا صاغرة، وخلّد اسمه للأبد.

ركام الأحزان

محب الدين الخطيب

لا ينشأ أصحاب الرسالات في بيئة رخوة، ولا يترعرعون بين ملذات الدنيا ومسرَّاتها، فهم من تصنعهم الآلام، وتقوّي عزائمهم الفواجع والأحزان. وهكذا عاش محب الدين الخطيب طفولته؛ إذ ماتت أمّه آسيا بنت محمد الجلاد -رحمها الله- بين مكة والمدينة، بريح السموم. ودفنت هناك بالفلاة، أثناء عودتها من رحلة الحج، ومحب طفل في حجرها، فحرم الصبي من رعاية الأم وحدبها مبكرًا، وتوطنت نفسه على أنّ الدنيا دار معاناة لا يصلح لها سوى صُلب الأعواد.

ويبدو أنّ الطفل الذي ولد في حيّ القيصرية، في مدينة دمشق، في نهاية شهر يوليو/تموز من عام 1886 ميلادية، سيكون على موعد ثانٍ مع مصائب الحياة. فما أن يسكن تحت جناح والده العالم أبي الفتح محمد بن عبد القادر بن صالح الخطيب، الذي ينتهي نسبه إلى الإمام عبد القادر الجيلاني، حتى يفجع برحيله، فيترك وحيدًا، يتيم الأب والأم، تحوطه السيرة الطيبة، والمنبت الحسن.

النشأة بين أهل العلم

قبل أن يتوفى الأب، ألحق طفله بمدرسة الترقي النموذجيّة، فحصل منها على شهادة إتمام المرحلة الابتدائيّة بدرجة جيد جدًا، ثمّ التحق بمدرسة مكتب عنبر -المدرسة العثمانية الوحيدة في دمشق-، والتي سيكون لها دور في تشكيل مستقبله لاحقًا، إذ كانت الدراسة فيها باللغة التركية، مما مكنه من إتقانها قراءة وكتابة، وإن كان ذلك أوّل ما حاك في صدره حول هويته العربية.

كادت وفاة والد محب الخطيب تنهي مسيرته التعليمية، لولا صديقه الشيخ طاهر الجزائري صاحب مشروع إحياء اللغة العربية وآدابها، الذي توسط للصبي كي يخلف أباه في دار الكتب الظاهريّة، كما أوكل إليه نسخ كتب علماء الإسلام، مثل الإمام ابن تيمية وغيره، كمصدر رزق يقتات منه.

لم يقتصر دور الشيخ طاهر الجزائري على الرعاية العلمية للصبي اليتيم، فقد كان بمثابة الأب الروحي، الذي يشير عليه بمواطن النفع والصلاح، فأوصاه أن يتردد على خيرة العلماء والفقهاء في عصره مثل  أحمد النويلاتي، وجمال الدين القاسمي، ومحمد علي مسلم ليتضلّع من فنونهم وعلومهم.

فنشأ الصبي في هذه المرحلة المبكرة من حياته بين نَسخ كُتب أهل السنّة؛ فصحت عقيدته، وبين نشاط عاملين من أجل الإسلام ومجده، فتشرّبت روحه فقه الحركة لهذا الدين، والبذل من أجل نصرته.

لقد كان لقراءات هذه الفترة من حياته أثر عميق في تكوين رؤيته عن الأمّة العربية وخصائصها وواجباتها، إذ حَمَّل العرب -قبل غيرهم من الأعراق- المسؤولية الأولى عن نشر الإسلام والدفاع عنه، فيقول «للناطقين بالضاد ومن سار في قافلتهم من المسلمين والإنسانيين رسالة هم المسئولون الأولون عنها وعن القيام بها في كل زمان ومكان، وأن على من يدرك هذه الحقيقة منهم أن يبادر إلى الإيمان بهذه الرسالة، ودعوة الآخرين إلى الإيمان بها».1

صدمة في الأسِتانة

محب الدين الخطيب

لم يُنه الخطيب دراسته الثانوية في مدرسته مكتب عنبر، إذ عثر بحوزته على دواوين شعرية تمجد الحرية، وكتب ممنوعة تهاجم سياسات الدولة العثمانية تحت حكم السلطان عبد الحميد الثاني، فآثر الانتقال إلى مدرسة بيروت لينال منها شهادته.

ورغم ذلك، كان السفر إلى الأسِتانة عاصمة الدولة العثمانية الخيار الأول للخطيب ليكمل دراسته الجامعية، حيث التحق بكليتي الآداب والحقوق معًا؛ معللًا ذلك، بأنّه ليس رغبة في الإكثار من العلم، وإنما الإكثار من العلاقات مع العرب، واكتشاف أفكارهم!

صُدم محب الخطيب بجهل الشبّان العرب على اختلاف جنسياتهم باللغة العربية وقواعدها وآدابها، فضلًا عن إيثارهم التحدث فيما بينهم باللغة التركية كي يسهل اندماجهم في المجتمع، ومن ثمّ يسهل حصولهم على الوظائف. ولمّا كان الخطيب يؤمن أنّ نهضة العرب تبدأ من اهتمامهم بلغتهم، وأنّ تعزيز اللسان العربي جوهري لقوّة الإسلام وانتشاره، سعى إلى تعليم من تواصل معه من الشبان أساسيات اللغة، وبعض أشعارها، مع نفر من رفاقه من دمشق.

نجحت جهود محب الخطيب في جذب المزيد إلى حلقات التعليم، وسرى الاعتزاز بالأصل العربي بين الدارسين، وتخلوا عن مشاعر الخزي والخجل من لغتهم الأم، فدفعهم ذلك إلى توسعة التجربة، فأسسوا جمعية أطلقوا عليها ’’جمعية النهضة العربية‘‘، ونصبوه رئيسًا لها.

 لم تقتصر جهود محب الخطيب لنشر اللغة العربية بين أبنائها على المساعي التقليدية، مثل حلقات التدريس وحسب؛ وإنما لجأ إلى مواكبة الذوق العام للطلبة في الأسِتانة، فوقع اختياره على أحد المقاهي الرئيسية ليكون ملتقى للعرب، يسمعون فيه الأغاني العربية، ويقرأون ما يصل إليهم من جرائد ومجلات من مصر.

تطوّرت حركة الخطيب وسط شريحة الطلاب، فتجاوزت دروس اللغة وجلسات المقهى؛ لتصبح ندوات فكرية تعالج دور هذه الصفوة في صناعة النهضة العربية. مما أزعج نظارة الضبطية التركية، فضيقت عليه خناق المراقبة، حتى اضطر إلى ترك الأسِتانة عقب انتهاء امتحان السنة الثانية، والعودة إلى دمشق.

النهضة في اليمن

لم تكن الأمور الأمنية أكثر بحبوحة في دمشق، فعاد ليجد أن شيخه طاهر الجزائري قد غادرها وعدد من رفاقه إلى القاهرة، بعد انتشار التجسس والتضييق على الحريات. في ذلك الوقت، لاحت فرصة عمل في ميناء الحُديدة في اليمن، فقرر الخطيب السفر من فوره، لا سيّما بعد أن تلقى رسالة من صديقه الأمير عارف الشهابي في الأسِتانة يصف فيها تشديد المراقبة على أعضاء الجمعية، ويطلب منه التمهل في العودة.

كان الطريق إلى اليمن يمر عبر مصر، وما أدراك بمصر وزخم الحياة الأدبية والصحفية والثقافية فيها في هذه الفترة! فما إن وطئت قدمه القاهرة حتى انغمس في جوّها المشبّع بالمؤتمرات والصالونات الفكرية، فالتقى برموز هذا العصر من أمثال آل العظم، والشيخ رشيد رضا.

ورغم نشاط فرع جمعيته في القاهرة، فإن الخطيب تحمّس إلى حديث الشيخ رضا عن جمعية ’’الشورى العثمانية‘‘ التي كان أحد مؤسسيها بهدف الضغط على الحكومة العثمانية لتصبح حكومة عدل وشورى، صيانة لدولة الخلافة من التمزق، وحماية لها من الانهيار، فحمل على عاتقه أن يكون مندوبًا للجمعية في اليمن، يدعو إلى مبادئها العادلة مثل تفعيل الحياة النيابية، وإنهاء حكم الفرد، وتعزيز الشورى، ومؤسسًا لفرعٍ لها.

وفي المرحلة اليمنية، يمكننا أن نميّز كيف خطّ محب الخطيب لنفسه مسارين لقيامة الأمة العربية، لم ير بينهما تعارضًا. وهما مسار إحياء اللغة العربية وآدابها، وتنهض بعبئه ’’جمعية النهضة العربية‘‘، ومسار سياسي يهدف إلى إصلاح الحكومة العثمانية بالانخراط في ’’جمعية الشورى العثمانية‘‘.

يقول: «تعرفت بطائفة من الموظفين والضباط والأتراك والعرب، وبأعيان الحُديدة الذين فيهم قابلية لمحبة التقدم والنهوض والإصلاح. فمن كان منهم عربيًا نزاعًا إلى الخير؛ صار عضوًا في جمعية النهضة العربية، ومن كان من الضباط والموظفين ينزع إلى الحرية والإصلاح؛ صار في جمعية الشورى العثمانية».2

ويتضح من قراءة مراسلات هذه المرحلة بين الخطيب وبين رفاق جمعيته في القاهرة، ودمشق، والأسِتانة؛ كيف سيطرت قضية نهضة أمّة العرب على فكره وقلبه. فكان جلّ خطاباته تحليلات ومقترحات لسبل بعث العرب من غفلتهم، ومن أهم اقتراحاته في هذا الشأن التوسع في إنشاء المدارس، والصحف، والمطابع، وفرق التمثيل والخطابة، والشركات الماديّة.

أمّا في جانب الضغط على الحكومة العثمانية بغرض إصلاحها فقد نجح في تكوين قاعدة موالية لأفكار جمعية الشورى العثمانية من ضباط الحامية العثمانية في الحُديدة، ومن رموز اليمن مثل القضاة الشرعيين وكبار الموظفين والتجّار والأعيان.

هل أسهم الخطيب في سقوط دولة الخلافة؟

محب الدين الخطيب

يُتهم الخطيب من قبل بعض خصومه بأنّه شارك مع رموز إسلامية أخرى مثل الشيخ محمد رشيد رضا، وعزيز المصري، ورفيق العظم في إضعاف حكم السلطان عبد الحميد الثاني؛ مما مكن الدول الغربية من عزلها، وإنهاء رمزيّة دولة الخلافة الإسلامية. فهل توّرط محب الخطيب بالفعل في ذلك؟

تشير الوثائق إلى أن جهد محب الخطيب انحصر في محاولات إصلاح نظام الحكم في الدولة العثمانية ليكون أكثر عدلًا، وبخاصة للقومية العربية التي شهدت في العقود الأخيرة تجاهلًا واضحًا. كان الخطيب يهدف إلى أن يستعيد العرب دورهم في خدمة الإسلام؛ لا سيما أنهم أهل هذه الرسالة، ومنهم انطلقت الراية، واشتعلت الجذوة. لذلك، ليس غريبًا أن يصف أعضاء جمعية الشورى العثمانية أنفسهم بأنهم ’’مواطنون عثمانيون‘‘ في الأساس، وأن مقاومتهم للسياسات الجائرة لحكومة الأسِتانة ليست سوى تحت بند الإصلاح والتقويم.

«فبالرجوع إلى مكتبه الخطيب في نوفمبر 1908 نجده يؤكد أنه وجميع من استعان بهم وتعاون معهم من رجالات العرب وشبابهم لم يخطر على بالهم الانفصال عن الدولة العثمانية، لأن الاستقلال عن الدولة وهي ضعيفة مريضة أمر مكروه، ولكن لعلمنا أن تمرّن الشعوب على أخلاق السيادة يحتاج إلى وقت، فكان من مصلحة العرب في الدولة العثمانية  أن تعترف لهم الدولة بلغتهم في الإدارة والتعليم في البلاد التي يتكلم أهلها اللغة العربية، وأن لا تبلغ بها الحماقة إلى حد أن يكون التعليم في بلادهم بلغة أجنبية عنهم».3

وهذا ما كشف عنه الشيخ رشيد رضا مرارًا في مجلته المنار؛ إذ كتب أكثر من مرّة أن تأسيس جمعية الشورى العثمانية كان بعلم المندوب السامي العثماني بمصر، كما أكد رضا أن السلطان عبد الحميد الثاني علم بأمرها، فهاجمها أولًا، ثم عاد وأثنى عليها قائلًا «لا ضرر منها لأنها مؤلفة من بعض أهل العلم، وأبناء الأسر الوجيهة المخلصة للدولة».4

محب الخطيب وجمعية الاتحاد والترقي

كان لجمعية الاتحاد والترقي الدور الأكبر في نخر عرش السلطان عبد الحميد الثاني، ولا شك أنّها سترت عن كثير من المنتسبين إليها الأهداف الحقيقية من وراء تأسيسها، لذلك نجد أن بعض صفوة الدعاة إلى وحدة الإسلام وأمّته، انضموا لها مبكرًا، ثمّ أدركوا متأخرين الشَرَكَ الذي وقعوا فيه، فعادوا يحذرون ومنها.

ومع ذلك، فلم ينضم محبّ الخطيب إلى جمعية الاتحاد والترقي في الفترة التي شهدت التخطيط لإسقاط الدولة العثمانية، على عكس بعض رفاقه مثل رفيق العظم الذي كان قد انتمى إليها منذ تأسيسها. إلّا أنّ الرجل وقع في الفخّ كما وقع فيه غيره، فقرر بعد رضوخ السلطان العثماني وإعلان الدستور في عام 1908؛ أن تنضوي جمعية الشورى العثمانية في اليمن تحت لافتة جمعية الاتحاد والترقي، وأن تكون معبرةً عن أفكارها، وفرعًا لها، مما دفع بعض أعضاء الجمعية في مصر إلى لومه على هذه الخطوة المتسرعة، التي خالفت رغبة المؤسسين في القاهرة، ومنهم الشيخ رشيد رضا.

الصدام مع الاتحاد والترقي

الاتحاد والترقي
بعض أعضاء جمعية الاتحاد والترقي.

عاد محب الخطيب إلى دمشق؛ يحدوه الأمل أن يكمل مشروع النهضة العربية في ظلّ الظرف السياسي الجديد الذي تعيش فيه الدولة العثمانية وولاياتها، وتحت وعود الاتحاد والترقي بإفساح المجال للحريّات العامة، وإطلاق الصحف، والتعبير عن الرأي؛ إلّا أن الرجل ورفاقه فوجئوا برفض مشروعهم لتقنين جمعية النهضة العربية، ومجلتها، إذ عبّر رجال الحكم الجديد عن استيائهم من كلمة ’’العربية‘‘، مطالبين باستبدالها بكلمة ’’السوريّة‘‘!

لم يكن موقف سلطة الاتحاد والترقي في دمشق محليًّا، وإنما كان سياسة عامة تعكس اتجاه الحكّام الجدد، ونزعتهم للإعلاء من شأن العنصر الطوراني على بقيّة عناصر الدولة، ولهذا شهدت الولايات التركية اضطرابات وصلت إلى الأسِتانة نفسها. وقد أدارت هذه الصدمة إبرة بوصلة الخطيب الإصلاحية؛ فكتب يقول: «تغيّرت الصورة التي في ذهني للوطن وأساليب النهوض، ووقفت أسير الحال، أترقب ما يصير إليه الموقف».

حاول محب الخطيب أن يتحايل على القبضة الأمنية الجديدة لرجال الاتحاد والترقي، فأصدر جريدة ساخرة باسم (طار الخرج) ينتقد فيها الممارسات اللاأخلاقية لرجال السلطة، ومساوئ الحكومة الجديدة، فلقيت إقبالًا غير مسبوق، ونفدت نسخها، دون أن يُعرف من خلفها، إلّا أن شكوك النظام السياسي توجهت إلى الخطيب، الذي سارت إليه الأخبار بنيّة رجال السلطة في القبض عليه، فخرج هاربًا إلى بيروت، وهناك علم أنّهم أرسلوا في طلبه، فهرب إلى الأسِتانة.

تبلور فكرة الوحدة العربية في القاهرة

ظلّ محب الخطيب في الأسِتانة شاهدًا على ثورة الاتحاد والترقي على سلطانها، وثورته المضادة عليهم حتى سقط عبد الحميد، وأسر في سلانيك، لتنتهي بسقوطه مرحلة طويلة من فكر الخطيب، وتبدأ مرحلة أخرى بعد ما قرر السفر إلى القاهرة.

في القاهرة نجح بوساطة من شيخه ومربيه القديم الشيخ طاهر الجزائري في الالتحاق بوظيفة في جريدة المؤيد للشيخ على يوسف. وقد واكب ذلك الهجوم الإيطالي على طرابلس، مما حفّز الخطيب أن يستغل الجريدة لنشر أخبار المقاومة، ويبث من خلالها بذور فكرة قيامة العرب، انسجامًا مع قناعاته القديمة من ناحية، وردًا على محاولات الاتحاد والترقي الانتصار للعنصر التركي في الولايات العثمانية. يقول د. محمد عبد الرحمن برج «والدارس لصحيفة المؤيد في الفترة التي عمل فيها الخطيب يجد أن التشجيع الكبير الذي أعطته المؤيد للحركة العربية، مرجعه الجهد الكبير الذي بذله الخطيب في هذا المجال».

والملاحظ على فكر محب الخطيب في هذه الفترة أنّه أضاف إلى وسائله الأثيرة في نهضة العرب مثل الكتابة الصحفية، ونشر الوعي وسائل عمليّة جديدة مثل الدعوة إلى مقاطعة الإيطاليين والبضائع الإيطالية، وتنظيم اكتتاب للتبرع لصالح المجاهدين في طرابلس، ودحض حجج المناهضين لفكرة الوحدة بين الشعوب من أمثال المفكر المصري أحمد لطفي السيّد.

تخاذل حكّام الدولة الجدد في نصرة طرابلس فسقطت في أيدي الإيطاليين، ثم نشبت الحرب في البلقان وخسر فيها العثمانيون المدن واحدة تلو الأخرى، مما أهاج مطامع الفرنسيين في الاستيلاء على سوريا بزعم حماية المسيحيين، والحقوق التاريخية، وهنا تفككت حلقات عدّة من السلسلة التي ربطت الولايات العربية بما كان دولة الخلافة الإسلامية في تركيا. وأصبح من المنطقيّ بل ومن الضروري أن تفكر النخب العربية في تصوّر جديد للعلاقة بين بلادهم والإدارة في الأسِتانة، فظهرت فكرة اللامركزية.

يقول الشيخ رشيد رضا «إن حزب اللامركزية كان يراد به خدمة الدولة (العثمانية) والبلاد العربية معًا، وكان سبب تأسيسه .. هو ما أنذرت به الحرب البلقانية العثمانية من توقع زوال الدولة، وقد كنّا نعتقد أن الدولة لا يمكن أن تعيش طويلًا إذا أصرّت على شكل حكومتها المركزية، وتحكيم الترك في جميع شعوب الدولة».5

وقد أسفرت انتخابات حزب اللامركزية في 12 يناير 1912، عن اختيار محب الخطيب مساعدًا للسكرتير العام، والشيخ رشيد رضا عضوًا تنفيذيًا. ويعد كثير من المؤرخين هذا الحزب أهم الكيانات المدنية التي نجح المهاجرون السوريون في القاهرة في تأسيسها.

جمعية العربية الفتاة

محب الدين الخطيب

لم يقنع محب الخطيب بدوره الرئيس في حزب اللامركزية؛ فشغل أيضًا منصب معتمد جمعية العربية الفتاة التي تأسست بشكل سريّ، بهدف الاحتفاظ للأمة العربية بحقوقها الطبيعية. وكانت المادة الأولى من دستورها تنص على أن هدف الجمعية النهوض بالأمة العربية إلى مصاف الأمم ’’الحيّة‘‘!

ورغم زيادة جرعة المشاعر القومية في دستور جمعية العربية الفتاة، فإنهم ظلّوا غير قادرين على المطالبة باستقلال كامل للبلاد العربية، فجاء منشورهم الأول دعوة إلى السلطان العثماني لتحديد صلاحياته في الهيئات التنفيذية، على أن يكون للولايات الحق في مجلس نيابي منتخب من أهلها، وحاكم منها يعينه السلطان، لكنّهم عمدوا إلى تهديد صريح للاتحاديين في تركيا، ينبهون فيه إلى مكانة العرب وقوتهم، ويحذرون فيه من مغبّة تجاهلهم «فرجاؤنا من أهل الرأي في الدولة ألا يضطرنا إلى أن نوجه أبصارنا حيث لا يشتهون». ثم جاء المنشور الثاني بمثابة تقريع ساخن اللهجة لأبناء العرب، جاء فيه «فأنتم لا خاصية تحفظون، ولا كرامة ترعون». أما المنشور الثالث والأخير فكان هجومًا مباشرًا على الاتحاديين والدولة التركية، بعد تراجعهم عن وعود الإصلاح التي خدّروا بها العرب أثناء مؤتمر باريس.

وقد شهد هذا المنشور الدعوة صراحة -ولأول مرة- إلى الانفصال، ضاربين المثل بدولة اليونان التي استقلت عن الدولة التركية، فنهضت واستقامت شؤونها.

سجون البصرة، وحكم الإعدام

كان دخول الأتراك الحرب العالمية الأولى في حلف ألمانيا القشّة التي قصمت ظهر بعير صبر النخبة العربية الذين أدركوا أن انتصار الحلفاء سوف يغري روسيا بالانقضاض على الأراضي التركية، وبريطانيا وفرنسا باحتلال بلادهم، ومن هنا رأى هؤلاء أنّ الفرصة سانحة أكثر من أي وقت مضى لاتخاذ خطوات أكثر جديّة نحو استقلال العرب، وبناء موقف موحد للزعامات الحاكمة يؤازره السياسيون والمثقفون.

وقد أسس الشيخ رشيد رضا لهذا الغرض حزبًا جديدًا تحت اسم حزب الجامعة العربية تحرك في مسارين؛ الأول التواصل مع الإنجليز وأخذ تعهدات منهم باحترام رغبة العرب في الحكم الذاتي، والثاني الاتصال مع الأمراء والزعامات العربية مثل الإمام يحيى في اليمن، وابن سعود في الجزيرة العربية، والإدريس في عسير، والشريف حسين في مكة للاستعداد للعمل الموحد إذا لزم الأمر.

ورغم ما تظهره الوثائق من معرفة أجهزة الاستخبارات البريطانية، ومباركتها لحركة النخبة العربية في ذلك الوقت طمعًا في إضعاف الموقف التركي في الحرب؛ فإن السلطات الإنجليزية ألقت القبض على محب الدين الخطيب ورفيق سفره حال وصولهما إلى الكويت، ورُحِّلا إلى سجن ’’العشار‘‘ في البصرة. وقد كان السبب في اعتقالهما ’’ميولهما الإسلامية لا العربية‘‘ كما يقول تقرير ضابط المخابرات البريطانية نتيجة عيون له على المركب التي سافرا عليها.

بعد أشهر سُمح للخطيب وحده بالعودة إلى مصر دون أن ينهي مهمته بالتواصل مع الزعماء العرب، إلّا أن جمعية العربية الفتاة نجحت في إرسال مبعوثين آخرين لبعض هؤلاء الأمراء العرب أثناء فترة اعتقاله.

لا يعرف أي دور نهض به محب الخطيب بعد عودته من البصرة، لكن يبدو أن حكومة الاتحاد والترقي أدركت خطر تحركاته لوحدة العرب، فحكم عليه بالإعدام ضمن نخبة من المثقفين السوريين واللبنانيين (1916-1917) في ولاية جمال باشا السفاح، لكن الخطيب نجا بفضل هروبه في مصر.

الثورة العربية الكبرى

محب الدين الخطيب

أعلن الشريف حسين عن ثورته في العاشر من يونيو من عام 1916 ميلادية، ثم سعى يضم إليه كلّ المؤثرين العرب في مجالات السياسة والعسكرية والصحافة، فكان محب الخطيب الاسم الأول على قائمته لإدارة الحملات الإعلامية -إن جاز التعبير- لحروب الرجل ومبادئ ثورته. وهكذا سافر الخطيب إلى الحجاز مع أول كتيبة من الجنود العرب في أغسطس من نفس العام.

أسس محب الخطيب أول مطبعة أميرية لحكومة الحجاز، وأصدر جريدتها الرسمية ’’القبلة‘‘ التي تخطّى توزيعها شبه جزيرة العرب ليصل إلى العراق والسودان ومصر وبعض الدول الأوربية، كما كتب المنشورات السياسية لمخاطبة زعماء القبائل موضحًا مساوئ حكومة الاتحاد والترقي، وداعيًا إلى تأييد ثورة العرب.

وتظهر مذكرات محب الخطيب أن العلاقة بينه وبين الشريف حسين كانت أعمق من ذلك؛ إذ عمل مستشارًا له ينصحه بالرجال المخلصين لفكرة القومية العربية، ويقترح عليه استقطابهم مثل عزيز المصري الذين عيّن بالفعل وزيرًا للحربية.

وقد تحددت وجهته السياسية بعد مشروع الثورة العربية الكبرى في التحاقه بحكومة الأمير فيصل بن الحسين في دمشق، إذ عمل معها، وشارك في كتابة افتتاحيات صحيفتها “العاصمة”، وبدا معجبًا بفكر فيصل بن الحسين في بناء الدولة الموحدة، حتى تفجّرت جمعية العربية الفتاة من الداخل بين مؤيد ومعارض لاستسلام فيصل للفرنسيين، ثم سقوط دمشق في معركة ميسلون 1920م، فخرج فارًا من القوات الفرنسية إلى القاهرة، بعد أن تنّكر وغيّر اسمه في قافلة جمال عن طريق فلسطين.

إسهامات محب الدين الخطيب في الجهد العلمي

حطّ الرجل الباحث عن قيامة العرب رحاله في القاهرة للمرة الأخيرة، موجهًا خبرته في العمل الصحفي والسياسي والحركي في خدمة رجال الإسلام في مصر، بعد أن شهدت هذه المرحلة تطورًا نهائيًا في قناعاته، فعاد مناديًا بالوحدة تحت راية الإسلام كإطار جامع.

 «بعد أن قطعت الفتح شوطًا في التأسيس، شرعت في تبني خيار الوحدة في إطار الرابطة الإسلامية، وهنا تحولت الرابطة من حاضنة للمقاومة ضد الاستعمار إلى قاعدة للوحدة الإسلامية ومرجعية له».6

ولم يكن الخطيب وحده من شهد مثل هذه التغييرات الفكرية، إذ يذكر الباحثون في تاريخ هذه الحقبة من التاريخ أن عددًا من رموز الحراك القومي العربي، تراجعوا عن الدعوة إلى الوحدة العربية المستقلة لصالح فكرة الجامعة الإسلامية.

«تحول محمد رشيد رضا ومحب الدين الخطيب عن موقفهما في العمل مع حركة الثورة العربية، بعدما آلت إلى نهايتها المعاصرة لهم، وعودتهما إلى الحديث عن فكرة الإسلام والجامعة الإسلامية».7

وعلى عهده شهدت المحطة الختامية لمحب الخطيب جهدًا متفانيًا في خدمة قضايا الإسلام ربما كان من أبرزه بعد إصدار جريدة الفتح، التي ناصبت العداء كل من شأنه تهديد الإسلام والمسلمين؛ تأسيس الرجل المكتبة السلفية التي عنيت بطباعة كتب التراث بتحقيقات وشروح جديدة، وكذلك تأسيس جمعية الشبان المسلمين «بالتعاون مع عدد من شخصيات مصرية منهم أحمد تيمور ومحمد الخضر حسين شيخ الأزهر السابق، وكان الهدف منها مقاومة الإلحاد والتغريب وشبهات المستشرقين والدعوة لمكارم الأخلاق والتعامل المرن مع الحضارة الغربية باقتباس النافع والمفيد وتقديم البديل للشباب لقضاء وقت فراغهم في أنشطة رياضية مفيدة».8

لم يتوقف محب الخطيب عن مدّ يد العون للهيئات الإسلامية الناشئة بالخبرة الفنية، أو بطبع جرائدهم في مطبعته السلفية يومًا، فكان موردًا للنصيحة والدعم لكل من حمل اللواء ونافح عن الدين.

محب الدين الخطيب ومصادر الثقافة الإسلامية

محب الدين الخطيب

إذا كان الجهد الحركي لمحبّ الدين الخطيب في خدمة قضايا الأمة يستحق أن يكون في مناهج التعليم ليجد فيه النشء القدوة الملهمة؛ فإنّ خدماته الموسوعية لمصادر الثقافة الإسلامية تكاد تكون فريدة، وقلمّا تجتمع لرجل واحد من أهل هذا الزمان.

جهود محب الدين الخطيب في خدمة القرآن الكريم

يمكن لقارئ مقالات محب الدين الخطيب في مجلَّة الفتح أن يلحظ كيف حظي القرآن الكريم باهتمام بالغ في كتاباته، إذ خصص مقالات عدَّة يتصدى فيها لتأويلات خاطئة للآيات، أو ترجمات غير منضبطة لسور القرآن الكريم.

وكان غاية الرجل أن يتصدّى للتفسيرات الحداثية التي ذاعت حينئذٍ، وحاولت ليّ بعض معاني الآيات القرآنية لتناسب النظريات العلمية التي تلقى رواجًا في الغرب، فكتب الخطيب مقالًا في جريدة الفتح بعنوان، ’’هل الشيطان معناه نزغات الشرّ المنبثة في العالم؟‘‘، يوضح فيه أنّ مخلوقات الله المحجوبة بالغيب مثل الملائكة والشياطين والجنّة والنّار لا يجوز تكييفها أو استحداث صور لها إلا بنص ثابت.

ولم تقتصر جهود الخطيب على تأصيل الثوابت القرآنية للعلوم الكونية، وإنما امتد جهده كذلك إلى التصدي لمحاولات إلغاء أحكام شرعية ثابتة بنصوص صريحة مثل تعدد الزوجات.

فعندما تحركت بعض الدوائر في مصر لاستصدار تشريع يقضي بإلغاء التعدد وتجريمه، كتب مقالًا بعنوان ’’هجوم على حكم من أحكام القرآن‘‘، بيّن فيه حرمة التعدي على النصوص القطعية، موضحًا من زاوية أخرى حكمة التعدد وضوابطه.

ولعلّ من أبرز جهود محب الدين الخطيب في خدمة القرآن صلابته في قضية دمج النصّ القرآني مع التفسير عند الترجمة للغات الأجنبية، بحجة تسهيل قراءته والتعبّد به لذوي اللسان الأعجمي.

فكتب في العدد 493 من مجلة الفتح، مقالًا بعنوان ’’ترجمة القرآن‘‘، وكتب مقالين في مجلة الأزهر في نفس العام تحت عنوان ’’لماذا نترجم القرآن؟‘‘، يكشف فيها عن الضوابط الشرعية لنقل النصوص القرآنية إلى لغات أجنبية.

جهود محب الدين الخطيب في خدمة السنّة النبوية

كان لسنّة النبي ﷺ مع محب الخطيب حال خاص، فهو الداعي إلى التمسُّك بها، وهو الطابع والناشر والمحقق والمعلّق والشارح لما صنّف فيها وحولها، وهو المحارب للبدع، واللسان المبين للرد على المتطاولين عليها.

ولم تكن علاقة الخطيب بسنّة النبي الكريم علاقة نظريّة، يهتم فيها بالجانب المعرفي وحسب، وإنمّا كانت علاقة تأسيسية؛ إذ شكلت السيرة النبوية معتقدات الرجل ومنطلقات تصرفاته، كما يقول عن نفسه «كلما خارت قواي وظننت أن الاستسلام للتيار أجدى رجعت بروحي وعقلي إلى سيرة القدوة الأعظم ﷺ، فوقفت وقفة الخشوع والإجلال تجاه سنين من حياته الشريفة قضاها في معالجة أخلاق قومه العرب، وإعدادهم لحمل مشعل الفضيلة والهدى، والسير به في أقطار الدنيا».9

وهكذا انشغل محب الخطيب بتقديم كتب السنة للشعوب الإسلامية ليجدوا فيها صحيح الفهم لهذا الدين، فكان من أجلّ ما قام به، شرح وتحقيق صحيح البخاري، الذي طبع بعضه في حياته، والبعض بعد وفاته، إذ أكمل الشيخ آخر ورقات هذا المصنّف قبل موته بليلة واحدة!10

ولم يكن محب الدين الخطيب بطبعه من الذين يدفنون رؤوسهم في الأوراق والكتب؛ متغافلين عن قضايا عصرهم، أو متجنبين الصراعات الفكرية؛ حرصًا على مكانة أو منفعة. فالخطيب رجل الصفوف الأولى دائمًا، لذا نجده ينبري إلى خوض إحدى أشهر المعارك الفكرية في زمنه، والتي أثارها كتاب ’’الإسلام وأصول الحكم‘‘ لعلي عبد الرزاق أحد منتسبي الأزهر الشريف، الذي رفض فيه فكرة الخلافة الإسلامية، ودعا إلى فصل الدين عن الدولة وغير ذلك من التعرّض لشخص النبي ﷺ، فكتب الخطيب سلسلة من المقالات في مجلته الفتح لتفنيد الشبهات، واحدة تلو الأخرى.

ولم يكن عبد الرازق وحده الذي انقض عليه محب الخطيب كالليث الكاسر؛ فقد كشّر عن أنيابه دفاعًا عن سنّة النبي ﷺ، وسمعة أصحابه عندما نشر شخص يدعى محمود أبو ريّة كتابين هما ’’أضواء على السنّة النبوية‘‘، و’’شيخ المضيرة أبو هريرة‘‘ لاكَ فيهما سيرة رواة الحديث لا سيّما أبو هريرة -رضي الله عنه-؛ فردَّ محب الخطيب بمقال في مجلة الأزهر، ثم عاد ونشر كتابًا مجمّعًا مع الشيخين سليمان الندوي، ومصطفى السباعي لدحض هذه الأكاذيب بعنوان ’’دفاع عن الحديث النبوي، وتفنيد شبهات خصومه‘‘.

ولم يكن الخطيب رجل نخبة ينشغل بمعارك الصفوة فقط؛ وإنما كان رجل عامّة أيضًا، فحرص على الكتابة للبسطاء موضحًا خطورة وقوعهم في بعض البدع والشركيّات، مبسطًا أسلوبه، مستثمرًا العاطفة القوية للدين في تغيير عادات الناس.

جهود محب الدين الخطيب في خدمة كتب التراث

تعددت صور خدمة محب الدين الخطيب لكتب التراث الإسلامي والعربي، سواء المخطوط منها أو المنشور. فعني بنفسه بنسخ بعض المخطوطات والتعليق عليها ووضع فهارسها، وقدّم بذلك بعض المصنفات لأول مرة للقارئ بالعربية.

ومن المخطوطات التي عمل على نسخها بيده كتاب ’’الميسر والقداح‘‘ لابن قتيبة، وكتاب ’’أيمان العرب في الجاهلية‘‘ لأبي إسحق النجيرمي، الذي اعتمد في تحقيقه على نسختين من مصدرين بينهما تفاوت كبير.

كما حقق الجزء الثاني من كتاب ’’العواصم من القواصم‘‘ لأبي بكر المالكي، وقدم ونشر وطبع العديد من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية منها ’’العقيدة الواسطية‘‘، و’’جواب أهل العلم والإيمان بتحقيق ما أخبر به رسول الرحمن، من أن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن‘‘.

وامتد جهد الرجل إلى العديد من الرموز الإسلامية والإصلاحية المحدثين، فحقق وعلق على كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب ’’مسائل الجاهلية التي خالف فيها الرسول ﷺ أهل الجاهلية‘‘، وكتاب ’’مجموعة التوحيد النجدية‘‘.

وكان محب الدين الخطيب يحض الكتّاب العرب والمسلمين على بذل الجهد لسد النقص في المكتبة الإسلامية، فدعا إلى كتابة معجم يضم تراجم المسلمين في العلم والعمران والسياسة والحرب والشعر والرواية، وكذلك معجم للجماعات القومية والدينية، ومعجم جغرافي للبلاد والآثار، ومصنفات في الخطّ العربي وفنونه.

جهود محب الدين الخطيب في مقاومة التنصير

كان محب الدين الخطيب بمثابة الفنار الذي تهتدي بنوره سفن المسلمين حول العالم، وكان الرجل محلّ أمل الناس من كل وطن. وقد ساعده ذلك في أي يحيط بأخبار حواضر الإسلام في عصره، فراعه نشاط حملات التنصير الغربية في أغلب دول الإسلام تحت سمع وبصر حكامها.

وحاول الخطيب قدر جهده كشف حركة هذه القوافل التنصيرية من خلال مقالات متعددة في جريدته الفتح ترصد أماكنهم واستراتيجياتهم محذرة المسلمين منهم. فكتب في العدد 68 مقالًا بعنوان ’’الإسلام والنصرانية في السودان‘‘، وفي العدد 79 مقالة ’’المبشرون في بلاد العرب‘‘، وفي العدد 84 ’’الدخائل في تركيا‘‘، وفي العدد 85 ’’المبشرون في الشراة ومعان‘‘ بالأردن.

ولم يكتف بهذا الرصد المنبّه لعموم الأمة وخاصتها، وإنما طفق يحلل أسباب جرأة المنصرين على بلاد الإسلام، كاشفًا حيلهم والشبهات التي ينفذون من خلالها في أكثر من مقال منها ’’المكفوفون ودعاة النصرانية‘‘، و’’الآباء التيوس‘‘، و’’هل هذا صحيح؟، واجب جديد من الأزهر نرجو أن ينهض به‘‘.

المحطة الأخيرة

في آخر عمره انكب الشيخ المجاهد على التأليف والكتابة قبل وفاته في الثاني والعشرين من شوال سنة 1389هـ (الثلاثين من ديسمبر 1969م)، تاركًا خلفه إرثًا ضخمًا من الكتب التي جمعها طيلة حياته، وتلك التي خطّها قلمه، وصل عددها «نحو عشرين ألف مجلد ما بين مخطوط ومطبوع، وبها مجموعة كبيرة من الكتب النادرة، وكانت فهارسها تبلغ خمسة وستين مصنفًا، وكان الخطيب قد جعلها قبل وفاته وقفًا على أهل العلم».11

المصادر

  1. محب الدين الخطيب ودوره في الحركة العربية، د. محمد عبد الرحمن برج
  2. السابق
  3. السابق
  4. السابق
  5. رفيق العظم، آثاره، رشيد رضا.
  6. تطور الفكر الوحدوي عند محب الدين الخطيب، أ.د. مهند احمد مبيضين
  7. السابق
  8. الشيخ محب الدين الخطيب.. رجل أحيا أمّة، عبد العزيز بدر القطّان، موقع مجلة المجتمع
  9. مجلة الفتح، مقال قدوتنا الأعظم، محب الدين الخطيب
  10. قضايا الإصلاح والنهضة عند محب الدين الخطيب، رغداء زيدان.
  11. من أئمة الإصلاح العلاَّمة المحقق مُحِب الدين الخَطِيب، موقع طريق الإسلام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى