التجويد إتقانٌ ومهارة مع فضيلة الدكتور عدنان سعد الدين

  • 2021-05-08

التجويد إتقانٌ ومهارة مع فضيلة الدكتور عدنان سعد الدين


مقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم؛ الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على حبيبنا رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، الحمد لله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان:

تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)
[سورة الفرقان]

والصلاة والسلام على قدوة الأنام ومُبلِّغ التبيان وخير من قام بالقرآن وعلى آل بيته الأطهار وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ إلى يوم الدين ومن تبعهُم بإحسان، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته أيها الإخوة والأخوات الكرام وفضيلة الشيخ الدكتور عدنان سعد الدين حياكم الله يا سيدي.

الدكتور عدنان سعد الدين:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛ حياكم الله وبارك الله فيكم، جزاكم الله تعالى عنا كل خير.

الدكتور رحابي محمد:
حياكم الله يا سيدنا، ونشكركم على هذا اللقاء الذي سيكون إن شاء الله فيه الخير والفائدة والنفع لأهل القرآن الكريم وللمُتخصصين في هذا المجال، كما نُبارك للجميع هذا العَشر الأخير من رمضان المبارك نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من عُتقاء هذا الشهر الكريم، وأن يجعل رمضان رمضان خيرٍ وبركةٍ وإحسانٍ وكرمٍ من الله سبحانه وتعالى علينا وعليكم وعلى المسلمين أجمعين.

الدكتور عدنان سعد الدين:
آمين يا رب العالمين، الشكر موصول لكم طبعاً وللمتابعين الكرام في صفحتكم الكريمة والتي ما شاء الله تزداد تألقاً يوماً بعد يوم، وكذلك أتقدم بالتهنئة والتبريكات لطلاب الدراسات العُليا في الأداء القرآني الذين ما شاء الله أقبلوا على جامعتكم الكريمة، على كلّية الدراسات العُليا لينالوا هذا الشرف، طبعاً الإجازة القرآنية هي شرفٌ ليس بعده شرف لكن أيضاً نيل شهادة الماجستير والدكتوراه فيها شرفٌ عظيم وأيضاً فيها الدخول إلى المجال الأكاديمي والإعترافات الرسمية كما هو معلوم في زماننا وإن كانت شهادة القرآن لا يعلو عليها فهي الأصل، وهي المُعتمد على مرِّ العصور والدهور، لكن كل عصرٍ له متطلباته وله مقتضياته، ومن متطلبات هذا العصر الشهادات الأكاديمية فهي ضرورية جداً.
أذكر أني سمعت أحد العلماء القُرّاء رحمهم الله تعالى وأذكر اسمه هو فضيلة الشيخ المُقرئ شيخ القراء أبي الحسن الكردي محي الدين الكردي رحمه الله تعالى، وقف يوماً خطيباً في المسجد فقال نريد فُقهاء عُلماء في المذاهب الأربعة، نريد أصحاب الشهادات العُليا، كان يدور حديثه حول هذا المعنى أننا نريد عُلماء وفُقهاء وأيضاً أصحاب شهادات عُليا، فهذا حثّني وحثّ أيضاً كثيراً من الشباب إلى أن يدرسوا بالإضافة إلى العِلم الشرعي الذي يؤخذ عن العلماء والمشايخ أن يدرسوا أيضاً العِلم الأكاديمي في الجامعات، فمن فضل الله تعالى درسنا في كلية الشريعة وأكرمنا الله بالدراسات الماجستير والدكتوراه وهذا توفيقٌ من الله سبحانه وتعالى.

الدكتور رحابي محمد:
الحمد لله؛ زادكم الله توفيقاً وعنايةً وفضلاً يا سيدنا الله يبارك فيكم، لا شك أن الإشتغال بكتاب الله سبحانه وتعالى تعلُّماً تعلّيماً عِلماً وعملاً وتدبراً وفهماً هذا من أفضل وأشرف وأعظم ما يقوم به الإنسان المسلم عموماً وطالب العِلم خصوصاً، من أعظم ما تُبذل فيه الجهود والأموال والأوقات كيف لا وهذا القرآن العظيم هو كلام الله سبحانه وتعالى، هو رسالة الله إلى البشر، هذا خير الحديث، هو المعجزة الباقية التي لا يَحدُّ أثرها زمانٌ ولا مكان، بل هي آيةٌ من آيات الله تعالى ما تعاقب الليل والنهار، هذا القرآن العظيم أيها الإخوة الكرام طبعاً قبل أن نلج إلى موضوعنا: التجويد مهارة وإتقان مع أستاذنا الشيخ الدكتور عدنان، وشيخنا الدكتور عدنان لا يفوتني أن أقول أنه هو عضو لجان التحكيم وتقييم الأداء القرآني وقد شَرُفنا به في الجامعة وفي قسم الدراسات العُليا للأداء القرآني، وأيضاً يحمل الدكتوراه في الفقه المُقارن، وأيضاً مُقرئ القراءات العشر نسأل الله تعالى أن يزيده خيراً.
هذا الكتاب العظيم الذي ذكر الله عز وجل عنه:

قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28(
[ سورة الزمر]

قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما علّمه ربه سبحانه وتعالى حيث كما هو معلومٌ لدى الجميع أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يُدارس جبريل بالقرآن الكريم ويُعارضه به في كل رمضان حتى أن رمضان الأخير الذي عاشه النبي صلى الله عليه وسلم عارض القرآن مع سيدنا جبريل مرتين، فهذا القرآن الكريم الذي أخذه النبي صلى الله عليه وسلم من جبريل وأخذه الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم وقدّموه أيضاً بدورهم إلى التابعين الكرام من بعدهم حتى تناقل المسلمون القرآن جيلاً بعد جيل بهذه الطريقة المُتقنة التي فيها الضبط والإتقان على درجةٍ عاليةٍ جداً، وبالتأكيد لا يوجد كتابٌ في الدنيا نالَّ من العناية والاهتمام والرعاية والحفظ والضبط والإتقان كما ناله القرآن الكريم:

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)
[ سورة الحجر]

شيخنا يأتي موضوع اللحن الجلي واللحن الخفي في ترتيل القرآن الكريم والحاجة مُلّحة لمعرفة اللحن الخفي واللحن الجلي للحذر من ذلك وعدم الوقوع بأي نوع من أنواع الأخطاء التي رُبما تصيب قارئ القرآن الكريم وتدخل على تلاوته من حيث لا يدري أو لا يعلم، ماذا نتحدث عن قضية اللحن الخفي أو اللحن الجلي والميكرفون معك ونحن بين أيديكم مُستمعون مُنصتون إن شاء الله.

اللحن الخفي واللحن الجلي في تلاوة القرآن الكريم:
الدكتور عدنان سعد الدين:
الله يبارك فيكم، وجزاكم الله تعالى كلَّ خير يعني ربنا سبحانه وتعالى قال:

أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)
[ سورة المزمل]

وذكر أيضاً :

الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121)
[ سورة البقرة]

فحق التلاوة يتطلَّب من القارئ والمُقرئ وطالب القِراءات وما أشبه ذلك أن يُتقن يعني أن يصل إلى مرحلة الإتقان، ومرحلة الإتقان تقتضي أن يترفّع الإنسان عن الخطأ الجلي أو الخفي أثناء قراءته لكتاب الله سبحانه وتعالى، والتجويد كما عَرّفوه: أنه إعطاء الحروف حقها ومستحقها، إخراج كل حرفٍ من مخرجه الصحيح مع إعطائه صفاته التي ذكرها أهل الأداء، واللحن الجلي هو خطأ يَعرِض للفظ يؤدي إلى الإخلال بالمعنى أو بالإعراب أو تغيير الإعراب مثلاً جر المرفوع أو رفع المجرور، كمن يقرأ مثلاً في الفاتحة يقول صراط الذين أنعمتُ عليهم بدل أنعمتَ عليهم، فمن يفعل ذلك عمداً طبعاً يأثم، أو جهلاً مع مقدرته على التعليم، وأما من لم يُطاوعه لسانه أو عجَزَ عن التعليم فلا حَرج عليه:

لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)
[ سورة البقرة]

ولكن هذا المثال الذي ذكرته هذا من البديهيات هذا من المعلوم في الدين في الضرورة تقريباً لا يسع المسلم أن يجهله، أي مسلم يتعلّم ويقرأ في الفاتحة لا يسعُه أن يجهل هذا الجهل بإقامة حروف الفاتحة وتشكيلها وقراءتها القراءة الصحيحة، فهذا هو الخطأ الجلي، الخطأ الواضح الذي يعرِض للقرآن الكريم، لذلك قال الإمام ابن الجزري رحمه الله تعالى في كتابه (النشر): فمن قدر على تصحيح كلام الله تعالى باللفظ الصحيح العربي الفصيح، وعدَل إلى اللفظ الفاسد -إلى اللفظ الخطأ ثم علل ذلك- استغناءً بنفسه -لا يريد أن يتعلّم، يترفّع أو يتكبّر- واستبداداً برأيه وحدسه واتكالاً على ما ألِف من حفظه، واستكباراً عن الرجوع إلى عالم يوقفه على صحيح لفظه، فإنه مقصرٌ بلا شك، وآثمٌ بلا ريب، وغاشٌ بلا مِرية، فقد قال صلى الله عليه وسلم:

{ إنَّ الدِّينَ نصيحةٌ ، قالوا : لمن يا رسولَ اللهِ ؟ قال : للهِ تعالى ولكتابِه ورسلِه وأئمَّةِ المؤمنين أو قال أئمَّةِ المسلمين وعامَّتِهم }

[رواه أبو دأوود]

لكتابه بتلاوته حق تلاوته، بقراءته التلاوة الصحيحة الفصيحة، ثم قال :" أما من كان لا يطاوعه لسانه، أو لا يجد من يهديه إلى الصواب بيانه، فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها" هذا ما يتعلق باللحن الجلي.
وأما اللحن الخفي فهو خطأ يعرض للفظ ولا يُخل بالمعنى أو الإعراب، لكنه يُخل بالأداء أو بجودة الأداء للتلاوة الصحيحة، كعدم مثلاً الهمس، أو ترك الهمس في المهموس والقلقلة في الحرف المُقلقل، كترك الإخفاء في الحرف المَخفي أو القلب أو الغُنّة وغير ذلك من الصفات التي تزيد القراءة بهاءً وجمالاً والتي توضّح الحرف تماماً وتُميزه عن غيره من الحروف، هذا الخطأ لا يأثم تاركه على اختيار المتأخرين من علماء التجويد، يقول بعض العلماء مُلا علي القاري في المنح الفكرية:"وأما دقائق التجويد فإنها من مستحسناته" يعني القارئ لا يأثم به، ولكنه يُجّمل به قراءته ويُكمِّل به قراءته، وقال الإمام أبو عبد الله الشيرازي: ويجب على القارئ أن يتلو القرآن حق تلاوته صيانةً للقرآن عن أن يجد اللحن إليه سبيلاً، على أن العلماء اختلفوا في وجوب حُسن الأداء في القرآن فذهب بعضهم إلى أن هذا مقصورٌ على ما يلزم المُكلف قراءته في المفروضات في الفرائض، وآخرون إلى وجوبه في كل القرآن لأنه لا رخصة في تغيير اللفظ بالقرآن وتعويجه، لا بد من أن نُحسن تلاوته و قراءته، لذلك قال الإمام ابن الجزري رحمه الله:
وَالأَخْـذُ بِالتَّـجْـوِيـدِ حَـتْـــمٌ لازِمُ مَــــنْ لَــمْ يُـجَـوِّدِ الْـقُـرَآنَ آثِــمُ
{ }
فاعتبر أن من لم يجود القرآن آثم، لكنه الإمام ابن الجزري نفسه رحمه الله تعالى في كتابه النشر يفُرّق بين اللحن الجلي والخفي فقال ابن الجزري في النشر" اللحن الجلي يُخلُّ إخلالاً ظاهراً يشترك في معرفته علماء القراءة وغيرهم، وأنَّ الخفي يُخلُّ إخلالاً يختص بمعرفته علماء القراءة وأئمة الأداء الذين تلقَّوا من أقوال العلماء وضبطوا عن ألفاظ أهل الأداء، الذين تُرتضى تلاوتهم، ويوثَق بعربيتهم، ولم يخرجوا عن القواعد الصحيحة، والنصوص الصريحة، فأعطوا كل حرفٍ حقه، ونزلّوه منزلته وأوصلوه مستّحقَّه من التجويد والإتقان والترتيل والإحسان".
معنى ذلك أن الإنسان العادي البسيط الإنسان العامي الذي يُخطئ في الإخفاء والإدغام والغُنة والقلب وما أشبه ذلك هذا لا يُلام مثل القارئ أو طالب العِلم أو المُتعلّم الذي درَسَ أحكام التجويد ثم تساهَل في هذه الأحكام، فميَّز الإمام ابن الجزري بين العِلم الذي يختصُّ بمعرفته العلماء ومُتخصصوا القراءة وبين العِلم الظاهر الواضح للجميع الذي يشترك في معرفته علماء القراءة وغيرهم أي الإنسان المثقف ثقافةً عادية.
وقال أيضاً الإمام ابن الجزري رحمه الله تعالى يبين التجويد يبين إقامة التجويد السليم عن الخطأ الجلي والخطأ الخفي، قال:" فالتجويد حليةُ التلاوة، وزينة القراءة، التجويد الخالي والسالم من أي خطأ أو خللٍ سواءٌ كان خفياً أو جلياً وهو إعطاء الحروف حقوقها وترتيبها في مراتبها، وردُّ الحرف إلى مخرجه، وتصحيح لفظه وتلّطيف النُطق به على كل حالٍ من غير إسرافٍ ولا تعسُفٍ ولا إفراط ولا تكلُّف، وإلى ذلك أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:

{ مَن أحَبَّ أن يَقرَأَ القُرآنَ غَضًّا كما أُنزِل فلْيَقْرَأْه على قِراءةِ ابنِ أُمِّ عبدٍ }

[رواه ابن ماجه]

يعني سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وكان رضي الله عنه قد أُعطي حظاً عظيماً في تجويد القرآن وتحقيقه وترتيله كما أنزله الله سبحانه وتعالى، يعني الكلام لابن الجزري ويتابع فيقول: وناهيك برجلٍ أحب النبي صلى الله عليه وسلم تلاوته، أحب أن يسمع القرآن منه ولما قرأ بكى النبي الله صلى الله عليه وسلم الحديث المعروف.
وعن أبي عثمان النهدي يقول ابن الجزري قال: صلى بنا ابن مسعود المغرب قصراً " قصراً يعني يقصر في قراءته لا يطيل بها وليس هو قصرُ الصلوات قال:" فقرأ "قل هو الله أحد، و والله لوددت أنه قرأ سورة البقرة من حُسن صوته وترتيله، قال: وهذه سنة الله تعالى في من يقرأ القرآن مُجوداً مُصححاً كما أُنزِل تلتذ الأسماع بتلاوته، وتخشع القلوب عند قراءته.
ولقد بلغنا عن الإمام تقي الدين ابن الصائغ المصري وكان أُستاذاً في التجويد أنه قرأ يوماً في صلاة الصبح قوله تعالى:

وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20)
[ سورة النمل]

وكرر هذه الآية فنزل طائرٌ على رأس الشيخ فسمع قراءته حتى أكملها فنظروا إليه فإذا هو هدهدٌ سبحان الله!
يتابع ابن الجزري قال: وهذه سنّة الله تبارك وتعالى، فيمن يقرأ القرآن مُجوَّداً مُصححاً كما أنزل تلّتذُ الأسماع بتلاوته، وتخشع القلوب عند قراءته حتى يكاد أن يسلُب العقول ويأخذ بالألباب، سرٌ من أسرار الله تعالى يودعه من يشاء من خلقه، قال ولقد أدركنا من شيوخنا مَن لم يكن له حُسن صوتٍ، ولا معرفةٌ بالألحان إلا أنه كان جيد الأداء؛ جيد الأداء هذه نضع تحتها خطوطاً، يعني متقناً للقراءة عالِماً بها بلغ المرتبة العُليا في الأداء خالياً من أي خطأ في اللفظ جلياً كان أو خفياً كما ذكرنا، قال: قَيِّماً باللفظ، فكان إذا قرأ أطرب المسامع، وأخذ من القلوب بالمجامع، وكان الخلق يزدحمون عليه، ويجتمعون على الاستماع إليه، أممٌ من الخواص والعوام، يشترك في ذلك من يعرف العربي ومن لا يعرفه من سائر الأنام.

الدليل على وجوب تلاوة القرآن الكريم حق التلاوة:
الدكتور رحابي محمد:
نعم شيخنا الحبيب الله يبارك فيك؛ لو تسمح لي، الآن الإخوة والأخوات موجودون معنا نعطي سؤالاً حتى نحرك الموضوع ويكون هناك تفاعلٌ على هذا اللقاء، ذكرتم حضرتكم أن التجويد أن الأصل في قارئ القرآن الكريم أنه مُطالب بأن يتلو القرآن الكريم حق التلاوة، لكن الآن سؤالٌ للإخوة والأخوات لو تتكرموا ما الدليل على أن ذلك من القرآن الكريم ومن السنة النبوية الشريفة، يعني ما الدليل؟ الإمام ابن الجزري قال: والأخذ بالتجويد حتمٌ لازمٌ كما ذكرت الأخت سمر والأخ إدريس قال التجويد فرضٌ كما الصلاة جاءت بها الأخبار والآيات، حسناً أعطونا الآيات أو الأحاديث التي توضح وتؤكد على أن تلاوة القرآن الكريم لابد أن تكون مُتقنةً وفيها تلاوةٌ مَضبوطةٌ ومُتقنةٌ كما تلقّاها الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أعطونا الآيات والأدلة على تجويد القرآن الكريم سواء كان من القرآن الكريم أو من الحديث الشريف.
طبعاً القرآن وتلاوته حق التلاوة كيف يكون؟ بتصحيح الألفاظ ومعرفة الوقوف وتجويد الحروف كما ذكر سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
هذه الكيفية التي تلقيناها عن مشايخنا وشيوخنا عن مشايخهم عن رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى أن وصلت السلسلة إلى التابعين والصحابة ورسول الله صلى الله عليه وسلم، هناك آيةٌ في سورة فاطر أيضاً وهذه آيةٌ معروفةٌ وشهيرةٌ في موضوع القرآن الكريم، سورة المزمل كما تفضلتم:

أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)
[ سورة المزمل]

نعم في سورة فاطر عندنا آية وفي سورة البقرة عندنا آية.

{ الماهِرُ بالقرآنِ مع السفرَةِ الكرامِ البرَرَةِ، والذي يقرؤُهُ ويتَعْتَعُ فيهِ وهو عليه شاقٌّ لَهُ أجرانِ }

[رواه مسلم]

نعم صحيح، هناك آيةٌ في سورة فاطر وفي سورة البقرة آيةٌ أيضاً تتحدث عن هذا المعنى ويَستشهد بها عُلماء الضبط والإتقان ويَستدّلون بها على وجوب تلاوة القرآن الكريم مُتقناً بعيداً عن التصحيف وبعيداً عن اللحن الخفي والجليّ.
والأحاديث الشريفة كثيرةٌ جداً منها حديث سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي تعرفونه:

{ خيرُكم من تعلَّم القرآنَ وعلَّمَه }

[رواه الترمذي]

لكن يوجد أحاديثٌ أخرى تتحدث عن فضل القرآن الكريم ويستدّل بهذه الأحاديث العلماء على ضرورة ووجوب الإتقان القرآن الكريم تلاوةً وأداءً.

أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)
[ سورة المزمل]

لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16)
[ سورة القيامة]

{ إِنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ أنْ يُقْرَأَ القرْآنُ كما أُنزِلَ }

[صححه الألباني]

والآية من سورة البقرة:

الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121)
[ سورة البقرة]

وفي سورة فاطر:

إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ (29)
[ سورة فاطر]

وبالنسبة للأحاديث الشريفة:

{ الذي يقرَأُ القرآنَ وهو ماهرٌ به مع السَّفَرةِ الكِرامِ البَرَرةِ والذي يقرَؤُه وهو يشتدُّ عليه فله أجرانِ }

[رواه أبو داوود]

{ إنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بهذا الكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ به آخَرِينَ }

[رواه الترمذي]

{ يُقالُ لِصاحبِ القرآنِ: اقرَأْ، وارْقَ، ورتِّلْ، كما كنتَ ترتِّلُ في الدُّنيا؛ فإنَّ مَنزِلتَك عندَ آخِرِ آيةٍ تقرَؤها }

[رواه الترمذي]

طيب شيخنا الحبيب الدكتور عدنان الله يبارك فيكم لو نقول هل هناك أسبابٌ لـلحن الخفي واللحن الجلي هل هناك أسبابٌ ظاهرةٌ أو خفية؟ لماذا يقع قُرّاء القرآن الكريم، أو من يقرأ القرآن الكريم بلحنٍ خفي أو لحنٍ جليّ؟ طبعاً هذا السؤال يقدَم أيضاً الإخوة والأخوات المتابعين لو عندكم إجاباتٌ فيمكن أن نستفيد من بعضنا البعض إن شاء الله تعالى نتعلّم منكم أيضاً، لماذا اللحن الخفي؟ لماذا يقع الناس في اللحن الخفي أو اللحن الجلي؟ ونستمع لشيخنا الدكتور عدنان بسم الله.

أسباب اللحن الخفي واللحن الجلي:
الدكتور عدنان سعد الدين:
بسم الله الرحمن الرحيم؛ ابن الجزري رحمه الله يقول:
وَلَيْـسَ بَيْنَـهُ وَبَيْنَ تَرْكِهِ إِلاَّ رِيَـاضَةُ امْـرِئٍ بِفَكِّـه
{ }
إذاً الحصول على والوصول إلى الإتقان إتقان أحكام التجويد ومخارج الحروف وصفات الحروف وغير ذلك سهلٌ جداً، وطريق الوصول إليه هو بتدريب اللسّان على النطق بهذه الحروف وتعويده دائماً وتكرارها ومعالجة الحرف وتذوّق الحرف كما كان يقول الإمام ابن الجزري، فيُحاول أن يتفاعل مع كل حرفٍ ويتذوق الحرف ويتعرّف هو على الحرف بحيث يجعل صلة بينه وبين هذا الحرف، مثلاً حرف القاف "أقـ" بحيث يجعل نفسه تعتاد على مخرجه يسمعه أيضاً، يعني لابد أيضاً مع التدريب مع التكرار مع التعليم لابد من الرجوع إلى المُتقنين إلى القراء، فمن أخذ عن المُتقنين أتقَن ومن أخذ عن القراء استطاع أن يصل إلى هذه المرحلة من الضبط والإتقان، إذاً أسباب الخطأ أو اللحن الخفي أو الجلي، عدم تعويد اللسان وعدم التدريب وعدم الرجوع إلى المُتخصصين من أهل العِلم، أو عدم التدريب على يد القراء المُتقنين للقرآن الكريم، هذان أهم سببان، هناك أسبابٌ أخرى قد تكون مثلاً إنسانٌ عنده لكنةٌ في لسانه أو ما شابه ذلك.

الدكتور رحابي محمد:
نعم بارك الله فيكم، لو تسمح لي الله يبارك فيك نضيف رُبما أمراً وهو دخول أو انتشار الإسلام حول العالم ودخول كثيرٍ من الأعاجم في الإسلام من غير الناطقين باللغة العربية هذا كان رُبما سبباً أيضاً ظاهراً وواضحاً، لأنه لا يوجد عندهم حروف كما هي موجودة في اللغة مثلاً الضاد الحاء الطاء الظاء العين الغين هذه الحروف الجديدة عليهم رُبما تأخذ منهم وقتاً لاستدراك الصحيح منها ويحتاج منهم إلى جهدٍ أكبر للقراءة على المُتقنين وبذل مزيدٍ من الوقت لضبط هذه التلاوات بشكلٍ صحيح، ورُبما هذه كانت أحد الأسباب لظهور اللحن الخفي واللحن الجلي.
طيب شيخنا الله يبارك فيكم لو نذهب إلى عنوانٍ أو موضوعٍ آخر الآن في لقائنا، ما أهمية دراسة عِلم مخارج الحروف علم صفات الحروف؟ هل هناك أهميةٌ خاصةٌ لهذا العِلم؟ هل قارئ القرآن أو طالب الدراسات العُليا في الأداء القرآني يجب أن يكون مُتمكناً من قضية عِلم مخارج وصفات الحروف أم هو أمرٌ زائد أو نافلةٌ من العِلم لا حاجة له ؟ فما رأيكم دام فضلكم؟

ما أهمية دراسة علم مخارج وصفات الحروف؟
الدكتور عدنان سعد الدين:
يعني كما ذكرتم فضيلة دكتور رحابي دراسة المخارج والصفات تعد من أهم أبواب علم التجويد بل هي الركيزة الأساسية والأولى لمن أراد دراسة وإتقان تجويد القرآن الكريم، سواءٌ للمعلمين والمتعلمين للتاليّن والمرتلين لكتاب الله سبحانه وتعالى وبهذه المعرفة يحفظ الإنسان لسانه من الوقوع في الخطأ في نطق الحروف أو في صفات الحروف، يحفظ لسانه من الإعوجاج والتحريف أو من أن يخلط حرفاً بحرفٍ آخر، أو من أن يعطي مثلاً صفةٍ لحرفٍ غير موجودة فيه يأخذها من حرفاً مجاوراً له، فإتقانه لعِلم المخارج وعلم صفات الحروف تحفظه عن هذا الخلل وعن الزيادة والنقصان وتُوصله إلى الإتقان بالرياضة بالتطبيق العملي بتعويد اللسان على أفصح اللغات وهي لغة القرآن الكريم، لذلك الإمام ابن الجزري رحمه الله تعالى قال:
إذْ وَاجِـبٌ عَلَـيْـهِـمُ مُحَـتّــمُ قَـبْـلَ الشُـرُوعِ أَوَّلاً أَنْ يَعْلـَمُوا
{ }
إذاً جعل من أهم الواجبات في عِلم التجويد معرفة المخارج والصفات، أن يعلموا ماذا؟ قال:
مَخَارِجَ الْحُرُوفِ وَالصِّفَاتِ لِيَلْفِظُوا بِأَفْصَحِ اللُغَـــــــاتِ
{ }
إذاً اعتبر ابن الجزري أنَّ المخارج والصفات من أهم مسائل وأساسيات عِلم التجويد، من هنا قال علماء عِلم التجويد مثل الإمام أبو عمر الداني قال: اعلموا أن قطب التجويد ومِلاك التحقيق معرفة مخارج الحروف وصفاتها التي ينفصل بعضها من بعضٍ وإن اشتركا في المخرج، يعني ينفصل بهذه المعرفة نستطيع أن نميز بين هذا الحرف وبين ذاك الحرف بين الحروف التي تشترك في مخرجٍ واحدٍ ولكنها تتميز عن بعضها بالصفات، وأيضاً عن أهمية الحروف نفسها قال الإمام مكي بن أبي طالب وهو من علماء التجويد المتقدمين قال: فهذه الحروف التسعة والعشرون عظيمة القدر جليلة الخطر، لأن بها أفهمنا الله تعالى كُتبه كلها، وبها يُعرف التوحيد ويُفهم وبها افتتح الله عامة السور، و بها أقسم الله و بها نزلت أسمائه وصفاته و بها قامت حجة الله على خلقه، و بها تُعقَل الأشياء وتُفهم الفرائض والأحكام وغير ذلك من شرفها كثيرٌ لا يُحصى، وقال الإمام ابن الجزري في النشر أيضاً، ذاك قاله طبعاً في الجزرية نظماً، وهذا قاله في النشر نثراً قال: " أول ما يجب على مُريد إتقان قراءة القرآن تصحيحُ إخراج كل حرفٍ من مخرجه المختصِّ به تصحيحًا يمتاز به عن مقارُبه"، اللام مثلاً والراء حروف متقاربة لابد من ضبط مخرج كل واحدٍ منهم حتى لا يمتزج بمخرجٍ الآخر، النون واللام كذلك "جعلنا" لذلك قال ابن الجزري:
وَاحْرِصْ علَىَ السُّكُونِ فِي جَعَلْنَا أَنْعَمْتَ وَالمَغْضُوبِ مَعْ ضـَلَلْنَا
{ }
فهذه الحروف متجاورة متقاربة وإن كانت لا تشترك في مخرجٍ واحدٍ إلا أنها مُتقاربة، لذلك في بعض علماء التجويد واللغة جعلوا هذه الحروف الثلاثة اللام والراء والنون من مخرجٍ واحد، ولكن ابن الجزري وغيره جعلوها من مخارج متفرقة ولكن جعلوها متقاربة في المخرج، حسناً ما الذي يميزها؟ ضبط المخرج وضبط الصفة.
قال:" تصحيحًا يمتاز به عن مقاربه، وتوفيةُ كُلِّ حرفٍ صفتَه المعروفةَ به توفيةً تُخرِجه عن مُجانِسِه"، المجانس هو الحرف الذي اشترك مع حروف أخر في نفس المخرج يسمى مُجانساً وأما المُقارب هو الذي انفصل بالمخرج ولكن تقارَب في الصفة، قال:" يُعْمِلُ لسانَه وفمَه بالرِّياضة في ذلك إعمالاً يصيرُ ذلِكَ له طبعًا وسليقةً، فكلُّ حرفٍ شارك غيرَه في مخرج فإنه لا يمتاز عن مشاركه إلا بالصفات، وكل حرفٍ شارك غيره في صفاته فإنه لا يمتاز إلا في المخرج، كما بينا في الأمثلة كالهمزة والهاء، الهمزة والهاء يخرجان من مخرجٍ من أقصى الحلق يتميزان بماذا؟ بالصفة، الهمزة شديدةٌ وفيها الشدة والجهر وأما الهاء فرخوةٌ وليس فيها الشدة والجهر.
قال: اشتركا مخرجا وانفتاحاً وإستفالاً وانفردت الهمزة بالشدة والجهر، إلى أن قال ابن الجزري رحمه الله تعالى قال: أصل الخلل الوارد على ألسنة القرّاء -لعلّ هذا جواب سؤالكم الذي سألتموه قبل قليل عن اللحن الجلي والخفي- قال "هو إطلاق التفخيمات والتغليظات على طريقٍ ألفتها الطباعات" يعني يقرأ الإنسان كما ألف في لهجته المحلية قال " تُلقيّت من العجم، واعتادتها النبط واكتسبها بعض العرب بالمجاورة، حيث لم يقفوا على الصواب ممن يُرجًع إلى عِلمه ويوثق بفضله وفهمه".
فهذا الكلام اسمحوا لي أنا أنقل الكلام كثيراً لعلماء ابن الجزري وغيره لأنه يحل ويبسط لنا الكثير من المسائل، وطبعاً إلى العلماء المرجع رُبما كلامنا نحن أو شرحنا عالةٌ على أولئك العلماء رحمهم الله وجزاهم الله تعالى كلَّ خير، وأيضاً يقول مُلا علي القاري مثل كلام ابن الجزري قال"" فالمخرج للحرف كالميزان يُعرف به كميته و ماهيته فلا يُزاد فيه ولا يُنقَص منه وإلا كان لحناً -خطأً- والصفة صفة الحروف كالمحك و الناقد يُعرف به هيئته وكيفيته"، ما معنى هذا الكلام؟
المحك والناقد هما حجران، فالمحك قال يُحك به الذهب لمعرفة عياره ويستعمله الجوهري، والناقد تُحك به الدراهم لمعرفة الزائف منها من الصحيح ويستعمله الصراف، فكما أن أهل الاختصاص الجوهري والناقد وكذا يستعملون أدواتٍ دقيقةً ليتعرفوا بها على دقائق الصنعة كذلك عالم التجويد عنده عِلم دقيق يُعرّفه على الدقائق التي تميز كل حرفٍ عن حرفٍ آخر وأيضاً تميز صفة هذا الحرف عن صفة حرفٍ آخر فلا يمتزج حرفٌ بصفة حرفٍ آخر ولا يأخذ حرف من صفات الحرف المجاور له، فالمخارج هي مقاطعٌ محددةٌ يعتمد عليها الحرف وتميز الحرف عن غيره، وهناك طبعاً مخرجٌ محققٌ ومخرجٌ مقدرٌ كما يذكر العلماء، والصفة للحرف كالصفة للإنسان فإذا عُلمت أوصافه إذا علمنا صفات إنسانٍ وأخلاقه يسهل لنا أن نتعامل معه، كذلك إذا علمنا صفات الحرف يسهُل لنا أن نُخرج هذا الحرف من مخرجه الصحيح ونخصُّه بصفاته الدقيقة.
يتلخص لنا أن علم التجويد يتوقف على مسائل مهمةٍ أهمها عِلم المخارج والصفات وهي في الحقيقة أربعةٌ كما ذكر صاحب نهاية القول المفيد قال: تجويد القرآن يتوقف على أربعة أمور، أحدها معرفة مخارج الحروف وثانيها معرفة صفاتها - نحن قلنا هذان الأساسان أو الركنان- وثالثها معرفة ما يتجدد لها بعد ذلك بسبب التركيب من الأحكام، ما معنى التركيب يعني عندما يتجاور حرفان وعندما تتجاور الحروف بعضها مع بعضٍ، والكلمات بعضها مع بعضٍ هناك أحكامٌ خاصة، عندما تجتمع مثلاً النون الساكنة مع القاف فالحكم إخفاء"من قبل" والغُنة مفخمة لأنه حرف استعلاء، عندما تجتمع مثلاً النون مع التاء"كنتم" إخفاء والغُنة مرققة لأن التاء من حروف الترقيق، عندما تجتمع مثلاً النون مع الياء "من يعمل" فهو الإدغام، النون مع الهمزة، "من آمن" فهو الإظهار فهذه أحكامٌ تنتج عن التركيب، التركيب يعني تجاور الحروف بعضها مع بعض، و تجاور الكلمات بعضها مع بعضٍ، فتنشأ أحكامٌ خاصةٌ لابد من التعرف عليها، أحكام النون الساكنة والتنوين، أحكام الميم الساكنة، النون المشددة، الميم المشددة، الحروف المفخّمة، الحروف المرققة، الراءات المفخّمة، الراءات المرققة، اللامات المُغلظة، اللامات المُرققة، لام لفظ الجلالة متى تُفخّم ومتى تُرقق كل هذه أحكامٌ ناشئةٌ عن التركيب والتجاور.
قال: ورابعها رياضة اللسان وكثرة التكرار، هذا من أُسس التجويد، يعني من تعلّم هذه الأحكام نظرياً وقرأها مرة أو مرتين لا يمكن أن يُتقن، لابد من هذا الركن أو الأساس الرابع الذي هو التكرار والرياضة، لذلك تجد العلماء المتقدمون كانوا وأيضاً نجد أيضاً من المتأخرين في زماننا من يحرص في القراءة على التلقي عن أكثر من شيخٍ وأكثر من مُتقن، فتجد مثلاً تلقّى القرآن الكريم عن الشيخ فلان والشيخ فلان من علماء القراءات، مثلاً الإمام نافع إمام أهل المدينة تلقى عن سبعين من التابعين، تلقى القرآن عن سبعين من أئمة التابعين كلهم من أهل الإتقان ومن أهل الأداء ومن أهل الضبط، يعني لم يكتفي بالتلقّي عن عالمٍ أو اثنين أو ثلاثة وإنما يتنقّل من هذا وهذا إلى أن صار إمام أهل المدينة، وإلى أن أمَّ في المسجد النبوي الشريف ستين سنةً تقريباً وهو يَقرأ على الناس في الصلاة ويُقرئُهم أيضاً التجويد، لم يصل إلى هذه المراتب إلا بالرياضة والمتابعة وهذه الرياضة بكثرة القراءة على الشيوخ والتلقي منهم، طبعاً القراءة الذاتية والقراءة المشتركة على العلماء وعلى أهل الأداء وعلى الشيوخ.
كذلك نجد في زماننا كثيراً من الطلاب ولعلّ الذين هم خير منا جزاهم الله تعالى كل خير نجدهم يحرصون الحرص الشديد على التلقي ويذهب من المُعلّم فلان إلى المُعلّم فلان وإلى الشيخ فلان ليتلقى، فكلما أتقن أو تلقى ختمة كاملة يذهب إلى شيخٍ آخر ويتلقى عنه أيضاً ليأخذ منه تنبيهاتٍ ونصائح جديدة ويتعلّم منه عِلماً جديداً وفتحاً جديداً ليصل إلى هذه المرتبة المتميزة من الأداء.
أخيراً أذكر فوائد ذكرها العلماء لمعرفة صفات الحروف يعني ألخصّها بثلاثة أمور.

الدكتور رحابي محمد:
شيخنا الله يبارك فيك؛ حتى نُثبِّت هذه المعلومات للإخوة والأخوات البعض منهم ما شاء الله نشيطٌ جداً، نريد أن نستذكر هذه الأربع أساسيات أو الخمس أساسيات التي ذكرتها ونُثبتها في التعليقات بعض الأخوات أو الإخوة يُلخصون هذه، تذكرها لنا الله يجزيك الخير وأحد المتطوعين أو المتطوعات يُثبتها لنا في التعليقات، ثم نذكر هذه الثلاثة الأمور الأخرى التي ستذكرها بعد قليلٍ إن شاء الله.

الدكتور عدنان سعد الدين:
نعم يا سيدي صاحب نهاية القول المفيد قال يتوقف علم التجويد على أربعة أمور، أربعة أمور أساسية لا بد منها أحدها معرفة المخارج كما قال الإمام ابن الجزري:
إذْ وَاجِـبٌ عَلَـيْـهِـمُ مُحَـتّــــــــــــــمُ قَـبْـلَ الشُـرُوعِ أَوَّلاً أَنْ يَعْلـَمــــُوا مَـخَارِجَ الْحُـرُوفِ وَالـصِّـفَــــاتِ لِـيَـلْفِـظُوا بِأَفْـصَــحِ اللُغَــــــــــــــاتِ
{ }
فإذاً أول شيءٍ معرفة مخارج الحروف ثم معرفة صفات الحروف، ثالثاً معرفة ما يتجّدد لها من التركيب، يعني معرفة أحكام التجويد الناتجة عن تجاور الحروف وتجاور الكلمات بعضها مع بعضٍ وهذا هو ما يسمى عِلم التجويد، التحسين الضبط، الرابع رياضة اللسان وكثرة التكرار، طبعاً نحن إذا أكملنا أبيات ابن الجزري الجزرية أضاف لنا فوائدَ جميلة فقال:
إذْ وَاجِـبٌ عَلَـيْـهِـمُ مُحَـتّــــــــمُ قَـبْـلَ الشُـرُوعِ أَوَّلاً أَنْ يَعْلـَمُــــــــوا مَـخَارِجَ الْحُـرُوفِ وَالـصِّـفَاتِ لِـيَـلْفِـظُوا بِأَفْـصَــحِ اللُغَــــــــــــــــــاتِ مُحَررِي التَّـجْـوِيـدِ وَالمَوَاقِــف وَما الَّـذِي رُسِّـمَ في المَصـاَحِـفِ
{ }
فهنا ذكر التحرير وضبط عِلم الوقف والإبتداء هذا شيءٌ مهمٌ جداً، وعِلم الرسم رسم المصحف، المصاحف العثمانية:
مُحَررِي التَّـجْـوِيـدِ وَالمَوَاقِــــــــــــف وَما الَّـذِي رُسِّـمَ في المَصـاَحِـفِ مِنْ كُـلِّ مَقْطُوعٍ وَمَوْصـُولٍ بِـهَــــا وَتَـاءِ أُنْـثَى لَمْ تَـكُنْ تُكْتَـبْ بِـهَـــا
{ }
إذاً ذكر عِلم المقطوع والموصول وذكر عِلم التاءات فهذه ذكرها ليُرجع إلى الجزرية للإمام ابن الجزري فذكر أيضاً هذه الأمور فإذا أضفناها يصبح عندنا ست أو سبع مسائل، إذا أضفناها إلى هذه الأركان، معرفة مخارج الحروف، صفات الحروف، الأحكام المتركبة نتيجة تجاور الحروف والكلمات، وأيضاً رياضة اللسان وكثرة التكرار، تحرير والعناية بعلم الوقف والابتداء، العناية بعلم رسم المصحف الشريف، معرفة المقطوع والموصول، "كلما" "أن لا" إلى آخره، معرفة ما رسم بالتاء"إمرأة فرعون" إمرأة في القرآن مرةً رُسمت بالتاء المربوطة ومرةً بالتاء المبسوطة كما هو معلوم عن معرفة عِلم التاءات، يعني عِلم رسم المصحف الشريف وإلى غير ذلك.. هذه أهم المسائل التي ذكرها العلماء، هناك مسائلٌ تفصيليةٌ تُذكر لكن ذكرنا هذه، والآن معرفة الحروف لها فوائد إذا أردتم نذكرها أو تُعقبون على ذلك.

الدكتور رحابي محمد:
نعم يا ليت والله، الله يجزيك الخير، عندنا بعض الأسئلة والاستفسارات في التعليقات لعلنا نأتي عليها سريعاً إن شاء الله تعالى، عندنا سؤالٌ من إحدى الأخوات الفاضلات، الأخت يسرى سالم الجراح الله يحفظها، وأذكر دائماً بمشاركة هذه اللقاءات القرآنية على صفحاتكم المباركة فالإنسان تُعرف صفحاته وهويته في الفيس بوك حسب المنشورات التي ينشرها وحسب ما يُعلّق وتكون منشوراتنا متعلّقةً بالقرآن الكريم وخدمة القرآن.
تقول الأخت يسرى: هل الماهر بالقرآن يقصد به الماهر بالتلاوة والحفظ والفهم؟ أم ممكن يكون القارئ من المصحف ولو لم يحفظه ولكنه يركز على التلاوة الصحيحة والفهم الصحيح ليعمل وليطبق القرآن والعمل بما فيه ويتدبَّر وكذا.. في الحديث النبوي الصحيح:

{ الماهِرُ بالقرآنِ مع السفرَةِ الكرامِ البرَرَةِ، والذي يقرؤُهُ ويتَعْتَعُ فيهِ وهو عليه شاقٌّ لَهُ أجرانِ }

[رواه مسلم]

وفي روايةٍ والذي يقرأ القرآن وهو "يشتد عليه له أجران"، هذا السؤال هل الماهر بالقرآن هو الذي يقرأ من المصحف تلاوتاً وإتقاناً؟ أم لابد له أن يَحفظ القرآن حفظاً غيباً؟ أم هل الماهر بالقرآن الذي يقرأ القرآن ويُطبق القرآن ويعمل بما فيه أم ماذا؟

من هو الماهر بالقرآن؟
الدكتور عدنان سعد الدين:
والله موضوع المهارة سيدي دكتور رحابي حفظك الله وجزاك الله تعالى خيراً موضوع مهمٌ جداً تطرقها، المهارة بالقرآن موضوع دقيقٌ وحساسٌ ولعلّ لها درجات والله أعلم لعلّ لها درجات، طبعاً الذي ذكره العلماء المهارة هي وصول الإنسان إلى أن يكون حاذقاً في كتاب الله سبحانه وتعالى، الوصول إلى الدقة في تعلُّم وتعلّيم عِلم التجويد، لكن المهارة كلٌ بحسب والله تعالى أعلم، مثلاً من عوام الناس الذين يُديمون تلاوة القرآن الكريم ويُكثرون من التلاوة ويصاحبون القرآن الكريم ففي كل يومٍ لهم وردٌ من القراءة، تجده يصل إلى مهارةٍ مناسبةٍ لمستواه، نقول أنه بالنسبة لأقرانه أصبح ماهراً بالتلاوة وبالقراءة وفاق من هم في مستواه، فأصبح ماهراً في الأداء لماذا؟ لكثرة تلاوته، لم يصل طبعاً إلى مرحلة المُتخصصين والعلماء وعلماء التجويد فهذه أصعب عليه وتحتاج كما قلنا إلى مراحل من التعلّم والتدرب، لكنه وصل إلى مهارة معينة ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يُدخله في هذا الحديث:

{ الماهِرُ بالقرآنِ مع السفرَةِ الكرامِ البرَرَةِ، والذي يقرؤُهُ ويتَعْتَعُ فيهِ وهو عليه شاقٌّ لَهُ أجرانِ }

[رواه مسلم]

وليس معنى ذلك أن الذي يتعتع له أجرٌ أكثر من الماهر، بل الماهر أفضل وأكثر أجراً لأنه مع السفرة مع الملائكة الكرام ولهم أجورٌ كبيرةٌ جداً، لذلك قال الإمام القرطبي: التتعتُع التردد في الكلام عياً وصعوبةً، قال وإنما كان له أجران من حيث التلاوة ومن حيث المشقّة، من حيث أنه يتلو فيأخذ أجر التلاوة ومن حيث أنه يجد مشقّةً ويصبر عليها ولا ينصرف عن القراءة فيجد أجراً آخر، ثم قال: ودرجات الماهر فوق ذلك كله لأنه قد كان القرآن مُتعتعاً عليه ثم ترقى عن ذلك إلى أن شُبّه بالملائكة، وقال في موضعٍ آخر: ولا يكون ماهراً بالقرآن، طبعاً هذا النوع الثاني من المهارة، هذه مهارة الإنسان المتخصص أو العالم، إذاً قلنا المهارة بحَسَبها الإنسان العادي له مهارة تنشأ عن دربته وكثرة تلاوته، والإنسان المُتخصص له مهارةٌ تنشأ عن تلاوته المُتقنة وتطبيقه لأحكام التجويد التي أتقنها وأيضاً تأمله في القرآن وتفكره وتدبُّره للقرآن، من هنا يأتي الكلام القرطبي في الموضع الآخر قال: ولا يكون ماهراً بالقرآن حتى يكون عالماً بالفرقان وذلك بأن يتعلّم أحكامه فيفهم عن الله تعالى مراده وما فرضَ عليه ويعرف المكي والمدني-أصبح هذا كلاماً للعلماء- ليفرّق بين ما خاطب الله عباده في أول الإسلام وما ندبهم إليه في آخر الإسلام، وما اُفترض في أول الإسلام وما زاد عليهم من الفرائض في آخره ويعرف الإعراب والغريب فذلك الذي يَسهُل عليه معرفة ما يقرأ ويُزيل عنه الشك فيما يتلو ثم ينظر في السُنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها يصل الطالب إلى مراد الله تعالى وهي تفتح له أحكام القرآن فتحاً، إذاً علومٌ متكاملةٌ يصل بها إلى المهارة بالقرآن جاء بها علم التجويد مع عِلم فهم القرآن وتطبيق القرآن الكريم، وقلنا هذه مرحلة من المهارة يصلها العلماء العاملون والعالِمون، والله أعلم برأيي الشخصي المهارة درجات وكل مرتبة لها مهارتها والله تعالى أعلم، هذا اجتهادٌ مني ونسأل الله سبحانه وتعالى أنا هذا بدا لي الآن من خلال هذا الاجتهاد، لماذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

{ يُقالُ لِصاحبِ القرآنِ: اقرَأْ، وارْقَ، ورتِّلْ، كما كنتَ ترتِّلُ في الدُّنيا؛ فإنَّ مَنزِلتَك عندَ آخِرِ آيةٍ تقرَؤها }

[رواه الترمذي]

الذي يَصحب القرآن، نجد العالِم يصحب القرآن والإنسان العادي المثقف يصحب القرآن يعني المثقف الذي لم يتخصص في عِلم التجويد تخصصاً كبيراً، فهذا الإنسان المثقف أو الإنسان العامِّي الذي يَصحب القرآن ويتلوه كل يومٍ يصل إلى درجةٍ من المهارة نتيجة صحبته للقرآن، ولا يُحرم هذه الصحبة يعني ينال هذه الرفعة، يقال له صاحب القرآن يقال له يوم القيامة:

{ يُقالُ لِصاحبِ القرآنِ: اقرَأْ، وارْقَ، ورتِّلْ، كما كنتَ ترتِّلُ في الدُّنيا؛ فإنَّ مَنزِلتَك عندَ آخِرِ آيةٍ تقرَؤها }

[رواه الترمذي]

فنسأل الله أن يزيدنا وأن يجعلنا وإياكم والمستمعين والمتابعين من أهل المهارة ومن أهل الإتقان ومن أهل القرآن، وأن لا يُبعدنا عن القرآن ويجعلنا نتلوه آناء الليل وأطراف النهار إنه سميعٌ قريبٌ مجيب.

الدكتور رحابي محمد:
آمين يا رب آمين جزاك الله خيراً، شيخنا الشيخ حسني معنا متابعٌ ما شاء الله وطبعاً يسلم عليكم وعلى الإخوة جميعاً ويقول: دكتورنا الغالي هل حفظ منظومات التجويد غايةٌ أم وسيلة؟ وإن كان وسيلةً فهل يُجاز من لا يحفظ متون التجويد نظماً؟ خاصة إن كان يُطبّقها عملياً ويحفظها نظرياً بل يستطيع أن يُدرِّسها إن طُلب منه ذلك، يعني قضية الإجازات هل يُشترط في الإجازات أن تُحفظ المتون أم لا حرج في ذلك إن كان من يقرأ القرآن يقرأه بإتقانٍ وبتلاوة؟
أنا أعرف وكوني أعيش في أمريكا الآن عندنا مسابقات قرآن عديدة في كل فترةٍ وما شاء الله ومسابقات على مستوى عالي حتى الفائزون ينالون درجاتٍ عاليةً في المسابقات الدولية العالمية، عندنا الأخ الآن يقرأ معي القرآن الشيخ أحمد برهان كان الأول على مسابقة دبي للقرآن الكريم قبل ثلاث سنوات، وغيره أيضاً من أمريكا أخذ الدرجة الأولى في مسابقة الكويت الدولية، أقصد هؤلاء لا يعلمون رُبما أحكام التجويد النظرية ولكنهم يُطبّقونها، والعجيب أن الأطفال لا يعلمون من اللغة العربية شيئاً وإنما أخذوا القرآن الكريم تلقياً فيقرؤون القرآن بمخارج وصفات الحروف كأنهم مُعلِّمون ما شاء الله في القرآن، فالسؤال الآن هل هؤلاء لا يرتقون إلى درجة الماهر بالقرآن، أو نرجع إلى سؤال الشيخ حسني هل هؤلاء لا يمكن إجازتهم بالقرآن الكريم إذا قرأ أحدهم القرآن من أوله إلى آخره بإتقانٍ وضبطٍ شديد فهل يُجاز بالقرآن الكريم أم لا بد من طلب حفظه لمتون التجويد المعروفة.

هل يُشترط في إجازة القرآن الكريم حفظ المتون؟
الدكتور عدنان سعد الدين:
نعم بارك الله فيكم؛ طبعاً بداية سؤاله هل هي وسيلة؟ طبعاً هي وسيلة، حفظ المتون هي في حد ذاتها وسيلةٌ وليست غاية، الغاية هي الوصول إلى طبعاً إتقان تجويد القرآن الكريم، فهي وسيلةٌ ولكنها وسيلةٌ مهمةٌ جداً ويستطيع بها الطالب أن يَستحضر الأحكام بسهولة، يعني عندما يأتي حكم يتذكر البيت الذي ذُكر فيه الحكم، مثلاً هنا" جعلنا":
وَاحْرِصْ علَىَ السُّكُونِ فِي جَعَلْنَا أَنْعَمْتَ وَالمَغْضُوبِ مَعْ ضـَلَلْنَا
{ }
بيتٌ سهلٌ ومنظومٌ وتجد أن نغمته سهلةٌ وبسيطةٌ للحفظ فإذا تذكّره يستطيع أن يتذكّر الحكم مباشرةً ويعطي الشاهد والدليل، الدليل طبعاً من كلام العلماء المُتقنين الذين نصوا على هذه الأحكام بدقة، أي يُسهِّل كثيراً على طالب العِلم استحضار الأحكام وضبط الأحكام، أيضاً إذا حفظ باب الظاءات والتاءات وما أشبه ذلك يُسهِّل عليه ضبطها واستحضارها.
طبعاً هو إذا حَفظ الأحكام وضبطها وأتقنها وحَفظ مضمون الأحكام المذكورة في الجزرية يكفيه ذلك لا يُشترط أن يحفظ الجزرية، ولكن حِفظه لهذه الأحكام أيضاً يحتاج إلى أن يرجع إلى كتابٍ آخر ربما أوسع من الجزرية، أو يرجع إلى كتب التجويد أو يتابع مع شيخه ومعلمه حُكماً حُكماً من هذه الأحكام، وكما ذكرتم الذي يتلقى القرآن ويُتقنه سماعاً وأداءً لكنه لا يعلم الأحكام نظرياً هذا وصل إلى مرتبةٍ كبيرةٍ ويستطيع أن يقرأ في نفسه ويُقرئ غيره لكن لا يستطيع أن يُقرئ غيره بإتقانٍ لأنه ينقصه العِلم النظري ينقصه التعليم، يعني لو سأله الطالب عن تعليل حكمٍ فرُبما يقف، لو سأله الطالب عن تبرير أو شرح حكمٍ معينٍ قد مثلاً يسأله عن الإظهار "من يعمل" ينطقها نطقاً صحيحاً، عن الإخفاء "إن كنتم" ينطقها له ويُعلّمه تعليماً صحيحاً لكن التعليل والتبرير والشرح والإيضاح، أين أضع لساني؟ ما هو تعريف الإخفاء؟ ما هي حالات الإخفاء؟ الإدغام مثلاً هل له استثناءاتٌ معينة؟

الدكتور رحابي محمد:
نعم أكرمكم الله؛ من أجل ذلك كانت الدراسات العُليا في الأداء القرآني لأن يجمع طالب الدراسات العُليا في الأداء القرآني بين التجويد العملي والتجويد النظري، فيُأطِّر معلوماته النظرية أو تطبيقاته العملية بالأمور النظرية والتعريفات، وهذا ما هو أساسٌ في الدراسات العُليا في الأداء القرآني كما لا يخفى عليكم وأنتم جزءٌ من هذا البرنامج بارك الله فيكم دكتور عدنان.
الشيخ حسني يقول: لا يكون الماهر ماهراً إلا إذا شقَّ عليه القرآن وتتعتع فيه في أول الأمر والتكرار والقراءة على العلماء يصل إلى الإتقان فالذي يصل للمهارة جمع بين الحُسنيين، نسأل الله تعالى أن يجمع لنا ولكم من هذه الحُسنيين.
الأخت الفاضلة يسرى تقول: حسناً منزلتك عند آخر آية تقرأها وليس تحفظها، هل يوم تتحقق اقرأ وارتقي ستكون القراءة حفظاً أم سيكون هناك مصحفٌ نقرأ منه يوم القيامة؟ وإذا لم نتذكر كلمةً في الآية ونقف بالتلاوة هل يمكن أن نقف عندها ولا نرتقي أم سيُفتح علينا لِنتُّم الآيات؟ تقول: طالما أسأل نفسي هذا السؤال، سؤالٌ دقيقٌ ولعله على غايةٍ من الأهمية لمن لم يحفظ القرآن ولكنه يقرأ القرآن من المصحف بإتقانٍ وبتلاوةٍ طيبة، سؤالٌ جيدٌ شكراً يا أختي يسرى وننتظر الإجابة من الشيخ الدكتور عدنان ومن الإخوة والأخوات أيضاً أهل القرآن المتابعين معنا الآن في التعليقات ممكن تتحفوننا بتعليقاتكم وإجاباتكم.
نعم شيخنا دكتور عدنان ما هو المقصود اقرأ وارتقي أو اقرأ وارقى؟ هل هو المقصود اقرأ من المصحف أو اقرأ من حفظك الذي حفظته في الدنيا؟

الدكتور عدنان سعد الدين:
ظاهر الحديث والله تعالى أعلم، اقرأ و ارتقي والمتبادر أنه يقرأ من حفظه، وإلا أُشير إلى ذلك أو ما أشبه ذلك، فالذي يتبادر أنه يقرأ من حِفظه والله أعلم، لكن هل يُجلّى أمامه أو يظهر أمامه شيءٌ فيقرأ؟ هذا من علم الغيب في الآخرة والله تعالى أعلم، لكن أُعلق بأنه كما ذكرنا يُقال لصاحب القرآن اقرأ وارتقي فصاحب القرآن من هو صاحب القرآن؟ الذي يصحب القرآن في ليله ونهاره الذي يصحب القرآن دائماً يتلوه آناء الليل والنهار والذي هكذا شأنه سيصل إلى استحضار القرآن، سيصل إلى حفظ القرآن واستحضاره سيكون سهلاً عليه، فإنه يسيرٌ على من يسَّره الله تعال عليه، ونجد نحن كثير من الأحاديث ذكرت القراءة:

{ اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ، اقْرَؤُوا الزَّهْراوَيْنِ البَقَرَةَ، وسُورَةَ آلِ عِمْرانَ، فإنَّهُما تَأْتِيانِ يَومَ القِيامَةِ كَأنَّهُما غَمامَتانِ، أوْ كَأنَّهُما غَيايَتانِ، أوْ كَأنَّهُما فِرْقانِ مِن طَيْرٍ صَوافَّ، تُحاجَّانِ عن أصْحابِهِما، اقْرَؤُوا سُورَةَ البَقَرَةِ، فإنَّ أخْذَها بَرَكَةٌ، وتَرْكَها حَسْرَةٌ، ولا تَسْتَطِيعُها البَطَلَةُ. قالَ مُعاوِيَةُ: بَلَغَنِي أنَّ البَطَلَةَ: [السَّحَرَة ] }

[رواه مسلم]

لم يقل احفظوا القرآن.

{ خيرُكم من تعلَّم القرآنَ وعلَّمَه }

[رواه الترمذي]

لكن كثيرٌ من الآيات أو كثيرٌ من الأحاديث ذكرت قراءة القرآن، اقرؤوا القرآن، يقال لقارئ القرآن يوم القيامة لذلك علّقت الأمر بالقراءة، قارئ، اقرؤوا، اتلو، فعلّقت بالقراءة فقط وليس بالحفظ، ولكن تعليقي على ذلك الذي يُديم القراءة ويتابع القراءة و يصحب القرآن دائماً لا بدَّ أن يصل إلى مرحلة الطلاقة لا يحتاج إلى أن يرجع إلى مصحفٍ وسيقرأ بدون تلعثُمٍ بإذن الله سبحانه وتعالى، فاطمئني أختي الكريمة وأحسني الظن بالله وإن شاء الله سيُلهمك الله سبحانه وتعالى ويُلهمنا التلاوة والقراءة من غير الرجوع إلى مصحف.

الدكتور رحابي محمد:
آمين جزاك الله خيراً يا دكتور عدنان وجزى الله الإخوة الذين يُثرون هذا اللقاء بأسئلةٍ مهمةٍ جداّ وبتعليقاتٍ أيضاً على غاية من الأهمية يفيدون هذا اللقاء ويفيدوننا عِلماً.
الارتقاء مرتبط بالحفظ كما ذكر علمائنا من شيخنا الشيخ حسني ودليله رفع القرآن من المصاحف قبل قيام الساعة ولكن المُرتِل والقارئ دائماً له شرفُ وشفاعة المصاحبة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، جزاك الله حيراً يا شيخ حسني.
شيخنا الحبيب دكتور عدنان في نهاية اللقاء طبعاً نحن نُبشر الإخوة والأخوات في الدراسات العُليا في الأداء القرآني أننا سنرسل لهم إن شاء الله هذا اللقاء مكتوباً نصه كاملاً كهديةٍ دائماً تقدم إلى طلاب الدراسات العُليا في الأداء القرآني ليكون عندهم إن شاء الله مرجعاً وللمراجعة إن شاء الله تعالى .
لكن الآن لو تتكرم علينا بكلمةٍ أو توصيةٍ أو نصيحةٍ إلى الإخوة والأخوات طلاب الدراسات العليا في الأداء القرآني عِلماً أنَّ الإخوة والأخوات كلهم مجازون كما تعلم أن شروط الدراسات العُليا في الأداء القرآني أن يكون مجازاً في القرآن معه إجازة ومعه مؤهِلٌ جامعي فيدخل في الدراسات العُليا في الأداء القرآني ليُراجع معلوماته النظرية وليُحقق التطبيقات القرآنية في الأداء القرآني مرةً ثانيةً حتى يدخل إلى لجنة الإختبار، حتى أنه في إحدى جلسات الإختبار كما ذكرت قبل قليل أن التحقق النظري ومعرفة التعريفات والتجويد وحفظ المتون هذا يفيد كثيراً، أحد الإختبارات لمّا سُئل الطالب ماذا قرأت؟ لماذا قرأت هكذا؟ قال هكذا تلقيتُها هكذا أُقرئتُـها فطبعاً الدراسات العُليا في الأداء القرآني تأتي لتصقل شخصية هذا الطالب وتحولها إلى شخصيةٍ علميةٍ أكاديميةٍ يستطيع أن يشرح هذه المعلومات بطريقةٍ أكاديميةٍ ليكون معلّماً حقاً مُلقناً وشارحاً لهذه المعلومات النظرية.
طيب ما نصيحتكم اليوم قبل أن نختم ونحن في ختام شهر رمضان المبارك شهر القرآن ومع إخوانك وأخواتك في الدراسات العليا في الأداء القرآني وصيةٌ للمَهَرة، هؤلاء كلهم إن شاء الله ماهرون في القرآن الكريم ماذا تنصح وتوصي الطلاب في الدراسات العُليا في الأداء القرآني يا شيخ عدنان.

ما هو الضبط والإتقان عند طالب الدراسات العليا في الأداء القرآني؟
الدكتور عدنان سعد الدين:
يعني هؤلاء جزاهم الله تعالى كل خيرٍ، أئمةٌ وعلماءٌ وقُرّاءٌ ونحن نلتمس النصائح منهم، ومتخصصون ولعلّ منهم ما شاء الله من هم أكثر اجتهاداً منا، وأنا أنصح نفسي وإياهم بمتابعة تلاوة القرآن الكريم والاهتمام بها والوصول إلى درجة الإتقان فلا يُكتفى بمرحلةٍ معينة، لا تتوقف عند حدٍ معين، مثلاً قرأت ختمة وأُجزتَ بها من شيخٍ قارئٍ متقنٍ، لا تتوقف عند هذا الحد، حاول مرةً ثانيةً، حاول أن تقرأ على نفس الشيخ أو على شيخٍ آخر، حاول أن تقرأ روايةً ثانية، أن تتعرَّف على علم القراءات أن تتلقى، أن لا تقف عند حدٍّ أن تترقى فالمسلم طموحه كبير جداً ولا يقف عند حدٍ إلى أن يصل إلى الكمال وأن يبلغ درجة الإتقان، والنبي صلى الله عليه وسلم عندما سُئل عن أفضل الأعمال:

{ أَحَبُّ العملِ إلى اللهِ تعالى الحَالُّ المُرْتَحِلُ، قال : وما الحَالُّ المُرْتَحِلُ ؟ قال : الذى يَضْرِبُ من أولِ القرآنِ إلى آخِرِهِ، كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ }

[صححه الألباني]

ثم ختم بتخصيص ختمةٍ في الصلاة يقرأها وختمةٍ للتدبر يتمهل فيها ويتمعّن ويُميز بين المتشابهات ودقائق التجويد وعلوم القرآن الكريم، وضبط أحكام التجويد، ضبط مخارج الحروف، ضبط صفات الحروف، الرجوع إلى المُتقنين، أنا لاحظت أنه يوجد بعض المجازين مثلاً يقرأ ختمةً كاملةً ويُجاز بها ويشهد له شيخه بذلك وعندما يقرأ ويؤم الناس في الصلاة تجد مثلاً عنده عيباً في صفةٍ من صفات الحروف، مثلاً التراخي في إصلاح هذه الملاحظة أو هذه المسألة التي نبَّهه عليها شيخه مرةً ثم هو مثلاً أهملها أو لم يقرأ على مشايخ آخرين حتى يصل إلى مرحلة الضبط والإتقان.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم إلى كل خيرٍ ولا يسعنا إلا أن نقول: اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء همومنا وذهاب أحزاننا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، تقبل الله منا ومنكم و نسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ولكم وأن يعفو عنا وعنكم ندعو بدعاء ليلة القدر: اللهم إنك عفوٌ تحب العفو فاعفُ عنا، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الخاتمة:
الدكتور رحابي محمد:
جزاك الله خيراً يا دكتور عدنان وبارك الله فيك، ونسأل الله تعالى أن يجمعنا وإياكم دائماً على خير وعلى مائدة القرآن الكريم، الشكر لجميع الإخوة والأخوات المتابعين الكرام والمتابعات الكريمات على إثرائهم لهذه اللقاءات وإضافتهم ونستفيد منهم ومن علمهم ومن فضلهم ونتعلَّم منهم دائماً وأبداً على هذا الخير في هذه اللقاءات الأسبوعية.
وكل عام وأنتم بخيرٍ ورمضان مبارك وعيدٌ مبارك نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال بارك الله فيكم وتحياتنا لكم جميعاً، ونسأل الله تعالى أن يبارك فيكم وأن يجمعنا دائماً على ما يحب ويرضى، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه واذكرونا اليوم في ليلة السابع والعشرين من رمضان نرجو منكم الدعاء وندعو لبعضنا البعض إن شاء الله تعالى جميعاً، تحياتنا لكم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.