الخميس 02 مايو 2024 الموافق 23 شوال 1445
رئيس التحرير
حازم عادل
تحقيقات وتقارير

"شهر البر".. حكاوي تاريخية عن "موائد الرحمن" من دار الفطرة وقصر عابدين إلى شبرا والمطرية

الإثنين 11/مارس/2024 - 12:59 م
صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

تعتبر مائدة الرحمن "طقس البر"، من أهم ما يميز شهر رمضان الكريم، سواء في مصر أو في البلدان العربية، تجمع الصائمين من شتى المناطق المختلفة خلال ساعة الإفطار، فهي ملجأ الصائم العابر، المغترب، المسافر، ليس فقط السائل والمحروم. 

 

التقى موقع "مصر تايمز" بالمؤرخ سامح الزهار، ليحدثنا عن تاريخ طقس مائدة الرحمن، قال الزهار إن البداية الحقيقية لظهور موائد الرحمن كانت  فى عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك حين قدم إليه وفد من الطائف وهو فى المدينة، واعتنقوا الإسلام واستقروا فيها لفترة فكان الرسول يرسل إليهم إفطارهم وسحورهم مع بلال بن رباح، واقتدى الخلفاء الراشدون بالرسول صلى الله عليه وسلم، حتى إن عمر بن الخطاب أعد داراً للضيافة يفطر فيها الصائمون.‏

 

و أضاف الزهار أن الذى لا يعرفه الكثيرعن موائد الرحمن، أن لها تاريخ طويل فى مصر ، حيث بدأت أيام الليث بن سعد الذى كان فقيهاً, وكان ثرياً, إلا أنه كان فى رمضان لا يتناول إلا الفول، بينما يقيم موائد الرحمن ويقدم فيها للصائمين أشهى الأطعمة وخصوصاً الهريسة حتى عرفت باسم هريسة الليث.‏ 

 

أول مائدة رحمن في مصر 

وتابع الزهار: "كان أحمد بن طولون ابتداء أول من أقام مائدة رحمن فى مصر عام 880 السنة الرابعة لولايته، حيث أمر بإقامة موائد الإفطار للصائمين فى رمضان,، ليقدم فيها أشهى الأطعمة،  جمع الناس على مائدة حافلة فى أول أيام رمضان وخطب فيهم "إننى لم أجمعكم حول هذه الأسمطة إلا لأعلمكم طريق البر بالناس، وأنا أعلم أنكم لستم فى حاجة إلى ما أعده لكم من طعام وشراب، لكننى وجدتكم قد أغفلتم ما أحببت أن تفهموه من واجب البر عليكم فى رمضان، ولذلك فإننى آمركم أن تفتحوا بيوتكم وتمدوا موائدكم وتهيئوها بأحسن ما ترغبونه لأنفسكم فيتذوقها الفقير المحروم".

 

 ثم أخبرهم ابن طولون بأن هذه المائدة ستستمر طوال أيام الشهر الكريم، وورث ابنه خمارويه الأمر عن أبيه, فقد كان يقيم موائد الرحمن للإفطار والسحور فى الأماكن العامة.‏ ومع مرور الزمن اختفى طقس البر، حتى عاد الخليفة الفاطمى المعز لدين الله، وأقام مائدة فى شهر رمضان يفطر عليها أهل جامع عمرو بن العاص وكان يخرج من قصره 1100 قدر من جميع ألوان الطعام لتوزع على الفقراء، وسميت "دار الفطرة"، ووصل طول بعضها إلى 175 متراً، ثم وفى عصر المماليك والعثمانيات تراجعت موائد الرحمن بسبب الحروب، اكتفى المصريون فى العهد المملوكى ببعض المظاهر البسيطة التى لا تصل إلى ما سمى بعد ذلك "مائدة رحمن"، وعندما جاء الاستعماران الانجليزى والفرنسى بدأت الجمعيات الخيرية أعيد إحياء موائد الرحمن للفقراء.

 

 

 موائد الرحمن في قصر عابدين ورأس التين 

 

وفى القرن العشرين بدأت فى العودة مرة أخرى فكان هناك موائد الرحمن بقصر عابدين  والتي كان لها أبعاد سياسية حيث كان الملك فاروق يريد تقريب عامة الشعب من الصقر الملكي ، فأقام لها موائد الرحمن في قصر عابدين في الإفطار والسحور ن كما كان هناك بعد ثاني وهو تقريب مجتمع البشاوات من الرعية لخلق مزيج مجتمعي، فكانت هذه المائدة يجتميع عليها الجميع بداية من الملك فاروق لأبسط مواطن مصري .

ويذكر أن هذه الموائد كانت تقام طوال الشهر وكانت تستقبل البسطاء والفلاحين والعمال وجميع عموم الشعب ، كما خصص الملك فاروق في ذلك الوقت عددا من المطاعم التي كانت تقيمها الدولة في الأحياء الشعبية كالسيدة زينب وحى الأزهر والحسين ، وكان القصر يتحمل تكاليف قيمة المأكولات في الإفطار والسحور بها، وكانت بالتزامن مع مآدب قصر عابدين ، كانت ذاتها تقام في قصر رأس التين في الاسكندرية .

 

كما كانت تقام السرادقات لقراءة القران الكريم والابتهالات الدينية، وكان الملك فاروق يحافظ للغاية على حضور هذه الموائد.

 

كما أقيمت أيضا موائد رحمن  تحت رعاية حكومية لبنك ناصر الاجتماعي، الذى كان يقيم مائدة بجوار الجامع الأزهر، يفطر عليها أربعة آلاف صائم من أموال دافعى الزكاة.  

 

أول مائدة رحمن قبطية في شبرا

 وتابع الزهار أنه بدأت موائد الرحمن بالازدهار وانتشرت فى العديد من الدول العربية والاسلامية، حيث‏ كانت أول مائدة رحمن قبطية، أقيمت من أجل الإفطار فى رمضان فى حى شبرا، وبالتحديد عام 1969حين أقام القمص صليب متى ساويرس، راعى كنيسة مار جرجس، مائدة إفطار للمسلمين والمسيحيين فى شهر رمضان بميدان الأفضل بشبرا. لكن مع الانفتاح الاقتصادى فى منتصف السبعينيات تراجعت موائد الرحمن، لتبقى نوعاً من التكافل البسيط بين أسر معينة، حتى عادت مرة أخرى مع زيادة المد الإسلامى مع عودة المصريين من العمل فى الخليج، وبدأت المساجد أيضاً فى إعداد موائد الرحمن الخاصة بها، وتنافس الأشخاص فى معاونة المساجد، بينما كان الأكثر ثراءً يعدون موائدهم وحدهم. أما فى بغداد كان هارون الرشيد يقيم موائد الإفطار فى حدائق قصره, وكان يتجول متنكراً بين الموائد, يسأل الصائمين رأيهم فى جودة الطعام ومدى كفايته.‏

 

مائدة إفطار المطرية

وفي السنوات الأخيرة في شهر رمضان يقوم أهالي حي المطرية في منطقة عزبة حمادة بإقامة أكبر مائدة رحمن تجتمع عليها جميع الأسر ليتناولوا الفطور سويا ، حتى أصبح ذلك تقليدا سنويا ، يستعد له أهالي حي المطرية  كل عام  في الخامس عشر من شهر رمضان .