البحث

التفاصيل

محب الدين الخطيب

الرابط المختصر :

محب الدين الخطيب
رجل الدعوة والأمة، والتراث والصحافة
(1303هـ - 1389هـ = 1886م - 1969م)

العلامة المؤرخ والمحقق، والداعية والمصلح: السيد محب الدين بن أبي الفتح محمد الخطيب، يمتد نسبه إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني، أبوه الشيخ أبو الفتح الخطيب، من أفاضل أهل دمشق، وكان أمين دار الكتب الظاهرية، وتولى التدريس والوعظ في الجامع الأموي، وكان زاهدًا، متقشفًا، يكره معاشرة الحكام، وله (مختصر تاريخ ابن عساكر) في خمسة أجزاء، و(مختصر تيسير الطالب) وغيرهما.
نشأ محب الدين الخطيب يتيما، فماتت أمه وهو رضيع في حجرها، في أثناء عودتها من الحج، ثم مات أبوه وهو في الصف الأول الثانوي بمدرسة (مكتب عنبر)، وعمره حوالي ثلاثة عشر عامًا، و رأت أسرته بعد وفاه الوالد أن يترك المدرسة، فتركها ولازم العلماء.
كان للشيخ طاهر الجزائري، الذي كان صديقًا للشيخ أبي الفتح، والد محب الدين، والذي كان مشرفًا على المكتبات والمدارس في بلاد الشام: فضل كبير في توجيه الشيخ محب الدين إلى العلم، كما كان له الدور الأول في تكوين أفكاره، حتى إن الشيخ محب الدين قال عنه: (مِنْ هذا الشيخ الحكيم، عرفت عروبتي وإسلامي، منه عرفت أن المعدن الصدِئ الآن، الـذي بَرَأ الله منـه في الدهر الأول أصولَ العروبة، ثم تخيَّرها ظِئْرًا للإسلام؛ إنما هو معدن كريم، لم يَبْرَأ الله أمة في الأرض تُدانِيه، في أصالته، وسلامته، وصلابته، وعظيم استعداده للحق).
ما إن علم الشيخ طاهر بموت أبي الفتح، حتى احتضن محب الدين واحتواه، وعطف عليه، ووجهه نحو العلم لينهل منه، ويتضلع من مشاربه.
وسعى الشيخ الجزائري ليخلف محب الدين أباه في دار الكتب الظاهرية، على أن ينوب عنه من يقوم بها، حتى يبلغ سن الرشد، وكان ينتقي له مخطوطات من تأليف شيخ الإسلام ابن تيمية وأضرابه، فيكلفه بنسخها، لينتفع بأجرة النسخ، وهو ما كان له دوره في توسع ثقافته العلمية، وترسخه في العلم، واطلاعه على كتب ابن تيمية ومدرسته السلفية مبكرًا.
كان محب الخطيب مواظبًا على حضور الحلقة العلمية التي يعقدها الشيخ الجزائري بدار الكتب بدمشق، ويؤمها الشيوخ والشباب.
وجه الشيخ الجزائري تلميذه للالتحاق مرة ثانية بمكتب عنبر، وأوصاه بالتردد على العلماء: أحمد النويلاتي، وجمال الدين القاسمي، ومحمد علي مسلم، حيث كانت لهم غرف في مدرسة (عبد الله باشا العظم).
كان الشيخ الجزائري متأثرًا بأفكار الإمام محمد عبده، وبأفكار الكواكبي التي نفثها في كتابه (طبائع الاستبداد)، وهو ما انتقل بالتبعية إلى محب الدين الخطيب.
انتفع محب الدين بما تلقاه في مدرسة (مكتب عنبر)- التي كانت تدرس العلوم باللغة التركية- من علوم كونية، وأضاف إليها مطالعاته المتواصلة في دار الكتب الظاهرية، واطلاعه على المجلات الكبرى في عصره: المقتطف، الهلال، الضياء. في هذه الفترة كان يبثُّ أفكار شيخه الجزائري، ويكتب المقالات العلمية، والقطع الأدبية، التي يُعَرِّبها من التركية، ويرسل بها إلى صحيفة (ثمرات الزمان) في بيروت.
بعد أن أتم دراسته الثانوية، سافر إلى إستانبول حاضرة الخلافة، والتحق هناك بكليَتَي (الحقوق والآداب)، وهناك أسس جمعية (النهضة العربية) لتعليم الطلاب العربيةَ وآدابَها وثقافتَها، وتذكيرِهم بأصالتهم وبدورهم القيادي. واشتد نشاطه، وأخذ يعقد الاجتماعات، ويلقي الخُطَب والمحاضرات، حتى شعرت بنشاطه جمعية (الاتحاد والترقي) الذين انقلبوا على الخلافة العثمانية، وأبقوا الخليفة اسما يحكمون باسمه، فداهموا غرفة الشيخ محب الدين الخطيب، ووجدوا فيها أوراقًا وصحفًا عربية، وكاد الشيخ أن يهلك، لولا أن الله قيض له رجلًا كانت تربطه بأسرته روابط قوية.
فاضطر إلى تقليص نشاطه، والاكتفاء بالدراسة بكلية الحقوق، والانقطاع عن الدراسة بكلية الآداب، لعدم قدرته الجمعَ بينهما مع نشاطه في الجمعية، ثم غادر الأستانة بعد الانتهاء من السنة الثالثة إلى دمشق.
اختير محب إلى اليمن للعمل كمترجم في القنصلية التركية بمدينة (الحديدة) باليمن، وفي طريقه إلى اليمن توقف في مصر، ليلتقي شيخه الشيخ طاهر الجزائري، وصديقه محمد كرد علي، واتصل فيها بأركان (جمعية الشورى العثمانية) الذين كانوا يطالبون بالحكم النيابي، وإعلان الدستور، ووضع حدّ للحكم الفردي، وكان منهم: الشيخ رشيد رضا، ورفيق العظم، والأديب التركي عبد الله جود.. وسواهم، وفوّضوه بتأسيس فرع جديد لجمعيتهم في اليمن، والبلاد العربية، من الرجال الصالحين.
وقد سعى فترة بقائه في اليمن إلى إنشاء مدرسة كانت هي المدرسة الوحيدة، وكان يتولى تدريس معظم العلوم فيها، بالإضافة لعمله كمترجم، ونشط في اليمن نشاطًا عظيمًا في ميادين: السياسة، والصحافة، والطباعة، والتعليم، والنشاط الاجتماعي، والثقافي، الأمر الذي جعل الأجهزة تراقبه وتضايقه.
فعاد إلى دمشق، ثم سافر إلى مصر، حيث عمل في جريدة (المؤيد)، فذاع صيته، وانتشرت مقالاته وترجماته، وبخاصة ما يتعلق بالمبشرين البروتستانت، وخططهم الخبيثة لتنصير المسلمين، والتي كان ينشرها الكاتب الفرنسي المبشر (مسيو لوشاتليه) في الدوائر الكنسية، فكشفها محب الدين الخطيب، وهتك أستارها، ونبّه المسلمين إلى خطورتها، ثم جمعها في كتاب وأصدره بعنوان (الغارة على العالم الإسلامي).
كما عمل مترجمًا ومحررًا بجريدة (الأهرام) المصرية فترة قصيرة؛ لأنه لم يرتح لسياسة القائمين عليها، الذين يداهنون الاستعمار وأعوانه، ولا يهتمون بقضايا المسلمين، وما يحيط بهم من مؤامرات ومكائد.
وأصدر الشيخ في مصر مجلة (الفتح)، ثم مجلة (الزهراء) التي تُعنى بالبحث العلمي والنقد الموضوعي للأفكار الوافدة والمقولات الباطلة، وجعل المجلتين منبرًا للدفاع عن الإسلام والمسلمين، ومعالجة قضايا العروبة والإسلام، والحفاظ على الدين واللغة العربية، ونشر الثقافة الإسلامية، واستقطب لها الكثير من الكتَّاب المسلمين من جميع أنحاء العالم الإسلامي، وكان لهما صدى واسع في تنوير العقل الإسلامي, وفي توعية الأمة بقضاياها المصيرية, وبهويتها الحضارية والعقدية, وقد كان للأستاذ الخطيب شعاران رفعهما: أحدهما يقول: أنت على ثُغرة من ثغور الإسلام فلا يؤتين من قبلك. والآخر يقول: المسلمون إلى خير ولكن الضعف في القيادة.
اكتشافه لموهبة حسن البنا:
كان السيد محب الدين قد اكتشف من قديم موهبة الشاب النابه، المتخرج حديثًا في دار العلوم: حسن البنا, وطلب إليه أن يكتب في مجلته (الفتح), وشجعه على ذلك, فكتب حسن البنا أول مقال له بعنوان: (الدعوة إلى الله). وكان الخطيب يباهي بأن حسن البنا من اكتشافه, وأنه ممن ساهم في صناعته.
ففي مقال له بعنوان (حديث عن البنا) بمناسبة مرور عشرين عامًا على تأسيس جماعة الإخوان المسلمين كتب الأستاذ الخطيب:
(إن الأستاذ حسن البنا أمة وحده, وقوة كنتُ أَنشُدها في نفس مؤمن, فلم أجدها، إلا يوم عرفتُه في تلك الغرفة المتواضعة من دار المطبعة السلفية سنة 1346هـ, وكنتُ (ابنَ صنعة) يوم اكتشفت بيني وبين نفسي حاجة الإسلام إلى هذا الداعية القوي الصابر المثابر, الذي يعطي الدعوة من ذات نفسه ما هي في حاجة إليه, من قوة ومرونة، ولين وجلد، وصبر وثبات إلى النهاية)(5).

ترؤسه لجريدة الإخوان المسلمين:
وحين أنشأ الإمام البنا صحيفة (الإخوان المسلمون) اليومية، أوكل رئاسة تحريرها إلى الأستاذ محب الدين الخطيب، الذي يعرفه البنا من قديم بوصفه أحد رواد الصحافة الإسلامية المتميزة.
وكان الخطيب يدعم هذه الصحيفة, وذلك بطبعها في مطبعته المطبعة السلفية, إلى أن وصلت المجلة لسنتها الثانية, فأسس الأستاذ البنا: (الشركة التعاونية للإخوان المسلمين للطباعة والنشر)، وتولت طباعة المجلة. وعلق البنا في الصفحة الأخيرة من المجلة بمقال عنوانه: (من مطبعتنا إلى مطبعتنا) قدم فيه الشكر للسيد محب الدين الخطيب قائلا عنه: (الذي لم يكن يوما من الأيام إلا ركنا من أركان الجماعة).
وكان الأستاذ البنا قد اختار الأستاذ الخطيب من قبل مدير التحرير مجلة (جريدة الإخوان المسلمين) الأسبوعية, وهي أول مجلة للإخوان المسلمين, وقد صدرت في 21 من صفر سنة 1352هـ 15 من يونيو سنة 1933م. وكان الأستاذ طنطاوي جوهري رئيس تحريرها, وكان الأستاذ البنا مسئولًا عن القسم الديني بها. وقد خلف الخطيب في إدارة تحرير المجلة الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا والد الأستاذ البنا.
وأنشأ المطبعة السلفية، التي أشرفت على نشر عدد كبير من كتب التراث وغيرها، وألحق بها المكتبة السلفية، وكان الخطيب من الخبراء بالتراث الإسلامي, والمطلعين على كنوزه, والمدافعين عنه, وكان يدعو إلى تحرير التاريخ، مما أدخله عليه الإخباريون والوضَّاعون من روايات زائفة، شوهت الوجه الحقيقي للأمة، في أزهى عصورها, ولا سيما عصر الصحابة والتابعين والأتباع خير قرون هذه الأمة.
كما برع الأستاذ محب الدين الخطيب في فن الترجمة, من بعض اللغات الأعجمية, فقد كان متقنا رحمه الله للغة التركية, واللغة الإنجليزية, وصدر له في هذا اللون: ترجمة (مذكرات غليوم الثاني), فقد ترجمها الأستاذ الخطيب عن اللغة التركية للعربية, ونشرها وطبعها في المطبعة السلفية سنة 1929م. وترجم عن الإنجليزية كتاب (الغارة على العالم الإسلامي) لمؤلفه: لوشاتلييه, وهو من أوائل الكتب المنشورة عن: التنصير والتبشير في ديار المسلمين, وخطط المنصرين لتنصير المسلمين.
وكان الأستاذ محب الدين الخطيب مولعا بالأدب العربي, وكان له فيه نظرات جيدة, وقد برز ذلك في مجموعته المعروفة بـ(الحديقة) بلغت مجلداتها (13 جزءًا), حفلت بمختارات بليغة من منثور الأدب والحكمة العربية, لطائفة كبيرة من فحول البلغاء المتقدمين والمعاصرين، ومن المعروف أن الأستاذ محب الدين الخطيب خالُ أديب أديب الفقهاء وفقيه الأدباء: الشيخ علي طنطاوي.
مشاركته بإنشاء الشبان المسلمين:
لم يكتف محب الدين الخطيب، بالكتابة والعمل الصحفي والعلمي والفكري، بل سعى مع ثلة من المفكرين والعلماء والدعاة والمصلحين والغيورين على الدين لإنشاء (جمعية الشبان المسلمين) بالقاهرة، التي شارك في تأسيسها الشيخ محمد الخضر حسين شيخ الأزهر، وأحمد تيمور باشا، وعبد العزيز جاويش، ومحمد أحمد الغمراوي، وعبد الوهاب النجار، وحسن البنا، وصالح حرب.. وغيرهم، وقد أسندت رئاستها للدكتور عبد الحميد سعيد، فكانت هذه الجمعية في أول تأسيسها منارة إصلاح ورسالة توجيه وإرشاد.
توليه مجلة الأزهر:
وقد أسندت رئاسة (مجلة الأزهر) في عهد الأستاذ الأكبر الشيخ محمد الخصر حسين إلى الأستاذ محب الدين, لعدة سنوات.
يقول أخي وصديقي العزيز المستشار عبد الله العقيل: (ولم يتوقف الأستاذ محب الدين الخطيب عن الكتابة والنشر، بل استمر من خلال المكتبة السلفية، والمطبعة السلفية يُصدر الكتب والنشرات، ويحقق كتب التراث الإسلامي، ثم سعدنا به رئيسًا لتحرير مجلة (الأزهر) بناء على ترشيح شيخ الأزهر العلامة الإمام محمد الخضر حسين، ولقد كانت افتتاحيات محب الدين الخطيب زادًا لنا نحن الطلبة الأزهريين، تشحذ هممنا، وتُقوّي عزائمنا، وتستثير نخوتنا الإسلامية للذود عن الإسلام وحرماته، والتصدي لأعدائه في الداخل والخارج، ممن ينالون من الإسلام، أو نبي الإسلام، أو صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولقد أسهم محب الدين الخطيب بعلمه الغزير وقلمه السيّال، في فضح دسائس الباطنية، وغلاة الرافضة، ومكائد الصهيونية، وسموم الاستعمار، وحقد المجوسية، ولن أنسى له توجيهاته لنا نحن الطلبة، وتحذيراته لنا من مؤامرات أعداء الإسلام، حيث كان يكرر في أحاديثه لنا بأن كل أنواع الهدم والتخريب والفساد والتدمير والكذب والتزوير، الذي أصاب المسلمين في القديم والحديث، سواء على مستوى اغتيال الخلفاء، أو الإسرائيليات في التفسير والحديث، أو الطعن في الصحابة والتابعين، أو الدّس في السيرة والتاريخ، إنما هو من صنع اليهود والمجوس؛ لأنهم هم وراء كل ذلك، وهم الذين أنشؤوا الحركات الهدامة والجمعيات السرّية والفرق الباطنية، وما زال هذا شأنهم وديدنهم إلى اليوم، وهم يتوارون وراء أسماء براقة، ورايات متعددة، ومسميات مختلفة، وكلها تصُبّ في مجرى واحد يستهدف تقويض الإسلام، وإفساد أبنائه، وحرب دعاته، وسلب خيراته، وتحطيم مجتمعاته، وتدمير أسره وأفراده، فهم يملكون وسائل الإعلام والمال، وعصابات الربا والدعارة والمخدرات، ودور الفن والملاهي والقمار والخمر، وغيرها من وسائل الإفساد والهدم والتضليل والغواية التي تدمر الشباب، وتهدم مقومات المجتمع، وتُذيب هوية الأفراد، وتربط الأمة بذيل الغرب الاستعماري، مستعينين بتلامذتهم الذين رضعوا حضارة الغرب بخيرها وشرّها، وحلوها ومرّها، ما يُحمد منها وما يُعاب، فكانوا كالببغاوات التي تردد ما يُملى عليها دون وعي أو إدراك)( ).
محب الدين والشيعة:
كتب الأستاذ الخطيب رسالته المركزة الشهيرة تحت عنوان: (الخطوط العريضة للأسس التي قام عليها دين الشيعة الإمامية الاثنا عشرية)، وأثار قضايا خطيرة عن القرآن عند الشيعة، والقول بتحريفه ونقصه، ومَن ألف في ذلك من الشيعة، وخصوصا كتاب (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب)- أي القرآن العظيم- للنوري الطبرسي، الذي احتفل الشيعة بوفاته احتفالًا كبيرًا، ودفنوه بالقرب من قبر الإمام علي رضي الله عنه.
وبيَّن موقف الشيعة من السنة، وموقفهم من الصحابة، ومن التقية، ومن عدة أمور، باين فيها مذهبُهم مذهبَ أهل السنة مباينةً واضحة قاطعة.
وكتب محب الدين الخطيب عدة كتب ورسائل يدافع فيها عن الصحابة، مثل تحقيقه وتعليقه ونشره للجزء الخاص بموقف الصحابة من كتاب العلامة المالكي القاضي أبي بكر بن العربي، المعروف باسم (العواصم من القواصم). ومثل حواشيه على كتاب (المنتقى) من منهاج الاعتدال للذهبي. كما كتب كتابًا سماه (مع الرعيل الأول)، أبرز فيه مكانة الصحابة في الدين وجهادهم وجهودهم في نصرة خاتم النبيين. كما كتب عن (حملة رسالة الإسلام الأولون) وبين مناقبهم وفضائلهم, وما كانوا يحملونه من قيم عليا, ومثل رفيعة, تجعلهم أبعد ما يكونون عما وصفهم به الذين شوهوهم ظلما وزورا.
أنا ومحب الدين الخطيب:
ومما آسف له: أني حاولت أن ألقى السيد محب الدين الخطيب, وأجلس إليه, وأتعلم منه, ولكن لم يتح لي ذلك, وقد ذهبت مرة قاصدًا لزيارته في مكتبه في المطبعة السلفية، التي كان يصدر منها ما يتبناه من كتب, فلم أظفر إلا بمصافحته والسلام عليه, إذ كان خارجًا لأمر آخر.
مؤلفاته وآثاره:
لقد ساهمت كتب الأستاذ محب الدين الخطيب ومؤلفاته، وتحقيقاته، وترجماته، القيمة بعطائها الفكري المتجدد، وثرائها المتأصل، مع صحافته النيرة المجددة، بكل ألوانها وأسمائها؛ في وضع منهج متميز لدراسة المستجدات، وتجديد المسارات، وإيقاظ العقول والضمائر، وتدل مؤلفاته وكتبه على عمق تفكيره، وقوة معرفته، وكذا تحقيقاته، خصوصا تحقيقه لما نشره من كتاب: (العواصم من القواصم) لأبي بكر بن العربي، وتعليقاته القيمة عليه، ومن تحقيقاته تحقيقه لكتاب (مختصر التحفة الاثني عشرية) لولي الله الدهلوي، وكتاب (المنتقى) للحافظ الذهبي، وكتاب (الميسر والقداح) لابن قتيبة، وكتاب (الخراج) لأبي يوسف، وكتاب (تاريخ الدولة الناصرية) للسان الدين بن الخطيب.
أما كتبه التي ألفها، فمنها: كتاب (الخطوط العريضة)، وكتاب (الرعيل الأول)، وكتاب (تقويمنا الشمسي)، وكتاب (قصر الزهراء بالأندلس)، وكتاب (ذكرى موقعة حطين)، وكتاب (الأزهر ماضيه وحاضره والحاجة إلى إصلاحه)، وكتاب (اتجاهات الموجات البشرية في جزيرة العرب). 
وله ترجمات من التركية والإنجليزية والفرنسية، منها ترجمته لكتاب (مذكرات غليوم الثاني)، وترجمته لكتاب (قميص من نار) للكاتبة التركية خالدة أديب، وكتاب (الدولة والجماعة) للمفكر التركي أحمد شعيب، وكتاب (الغارة على العالم الإسلامي) للكاتب الفرنسي لوشاتليه، وغيرها من الكتب المؤلفة أو المحققة أو المترجمة، وكلها تدل على مدى الفهم العميق، والفقه الدقيق، والبصر الثاقب، وصدق فيه قول الدكتور محمد رجب البيومي رحمه الله في كتابه: (النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين): (إن محب الدين الخطيب كان أمة في واحد، لأن أكثر حركات التحرر الإسلامي في الأمة العربية، عرفت منه الظهير المؤيد، والمقترح المصمم، ولكن طبيعة الجندي في نفسه، جعلته لا يطمح إلى منزلة القائد الرسمية، أما في الواقع العملي فهو قائد حقًّا، وأنت حين تعرض أسماء: شكري القوتلي، وصالح حرب، ولطفي الحفار، ورفيق العظم، ومحمد كرد علي، وحسن البنا، وعبد الرحمن عزام، وعزيز المصري، وغيرهم، تجد ارتباطًا قويًّا بينهم وبين محب الدين الخطيب في كثير من المواقف الحاسمة على مدى نصف قرن متطاول، لأن محب الدين الخطيب انتقل في دنيا الكفاح الإسلامي ما بين دمشق، وبيروت، وتركيا، والقاهرة، واليمن، ومكة المكرمة، انتقال المكافح الذي يقف في مقدمة الصفوف)( ) انتهى.
وفاته:
وقد انتقل إلى رحمة الله عام (1389هـ = 1969م)، ودُفِنَ بمصر، ورحم الله أستاذنا العلامة محب الدين الخطيب، وتقبله في العلماء الربانيين، والدعاة الصادقين، والأئمة العاملين، على ما قدم لأمته ولدينه، وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين، خير ما يجزي عباده الصالحين.


: الأوسمة



التالي
الشيخ العلامة محمد بن مانع
السابق
رحلة إلى الله مع الحكم العطائية

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع