Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"ميادين الثورة" ... بين ما كان والآن

ساحات عديدة في المدن المصرية المختلفة اكتسبت شهرة لتنظيم مظاهرات احتجاجية خلال الثورة وبعدها

مشهد من أحداث الثورة المصرية في يناير 2011 ( تصوير صلاح الرشيدي)

"حين كنا نردد أغاني ’يا الميدان‘، و’بحبك يا بلادي‘، كان التحرير يرتج ومصر كلها تهتز.. ملكنا الدنيا"، هكذا يتذكر الناشط الثلاثيني بسام مرسي ما حدث أيام الميدان خلال ثورة 25 يناير مع حلول ذكراها الثامنة، قائلًا: "لكن الوضع اختلف تماماً الآن، فخلال بضعة سنوات قليلة من التغيرات السياسية بل والتغيرات العمرانية تحول ميدان التحرير، أيقونة الثورة، وميادين أخرى، كانت لا تقل اشتعالاً، كالقائد إبراهيم في الإسكندرية وميدان الأربعين في السويس، إلى متنزه لبعض العائلات، وملتقى للعشاق نظراً لحالة الهدوء التي باتت عليها تلك الميادين اليوم".

ميدان التحرير"أيقونة الثورة" سابقاً

 من يزور ميدان التحريرالآن سيكتشف أن تغييرات كبيرة قد طرأت على  ذلك المكان الذي اكتسب شهرة عالمية ابان احتجاجات 25 يناير (كانون الثاني) 2011. فحتى أعوام قليلة مضت، كانت جدران الميدان الأشهر لا تزال زاخرة برسوم الغرافيتي الراصدة لمعالم وتاريخ الاحتجاجات، وأخرى توثق عدداً ممن اعتبرهم المحتجون "شهداء الثورة".

لم يكن اختفاء الرسومات والغرافيتي الملمح الوحيد في التغيُّر الحادث، فقد أدخلت محافظة القاهرة تعديلات على شكل الميدان، فأزالت معالم كانت موجودة، منها "الصينية" (الدوران)، التي كانت تتوسط الميدان وأقام فيها المتظاهرون خيامهم للاعتصام على مدار الـ 18 يوماً حتى تنحي الرئيس السابق حسني مبارك عن السلطة في 11 فبراير (شباط) 2011، فضلاً عن إنشاء منصة وسارية لعلم مصر بارتفاع 45 متراً، إضافة إلى إنشاء موقف عمومي للسيارات تحت الأرض، كان قيد التنفيذ إبان الثورة.

يقول المعماري نبيل الهادي الأستاذ في الجامعة الأميركية في القاهرة الواقعة في قلب ميدان التحرير، والمشرف على مشروع إعادة تصميم مبنى الجامعة الأميركية: "في شهري أبريل (نيسان) ومايو (أيار) الماضيين، طلبت مني إدارة الجامعة إعادة تصميم ذلك المبنى الشهير للجامعة والذي هدم في وقت لاحق لثورة 25 يناير. وحينها، كلفت طلابي بابتكار أفكار تحافظ على ذاكرته، فأقمنا معرضاً للصور واللوحات على جدرانه، وهو ما شهد إقبالاً واسعاً من مرتادي الميدان حينها".

ويرفض  الهادي فكرة إزالة المبنى التي حدثت لاحقاً، ويستنكر أيضاً هدم مقر الحزب الوطني -الحاكم قبل ثورة يناير-  القريب من الميدان. وقال: "كان يجب أن يظل شاهداً على ما أنجزه المصريون خلال 18 يوما". وكانت السلطات المصرية قد هدمت مبنى الحزب في يوليو 2015، بعدما أشعل فيه المحتجون النيران خلال أيام الثورة، لتؤول أرضه إلى المتحف المصري المجاور للميدان.

 

ميدانا القائد ابراهيم والأربعين

لم يكن ميدان التحرير وحده الذي تبدلت أوضاعه وحلت به التغيرات خلال الأعوام الماضية. فقد شملت تلك التغييرات أيضاً أشهر ميادين الثورة في عموم البلاد وعلى رأسها ’ميدان القائد إبراهيم‘ في الإسكندرية و’ميدان الأربعين‘  في السويس.

ويقول خالد عامر، البائع المتجول في ميدان القائد إبراهيم في الاسكندرية: "أبيع الزهور في هذه المنطقة منذ سنوات طويلة وقبل اندلاع ثورة 25 يناير. ومع اندلاع ثورة يناير، تحولت إلى بيع أعلام مصر وشارات مكتوب عليها شعارات الثورة، ثم في فترة الحكم الانتقالي ما بعد تنحي مبارك عاد ميدان القائد إبراهيم متنزهاً للأسر والمواطنين، إلى أن جاءت ثورة الـ 30 من يونيو 2013 لتعيد للمكان ثوريته من جديد. ففي ذلك التاريخ، اندلعت مظاهرات شعبية واسعة ضد حكم الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، التي قادت في النهاية إلى إزاحته عن الحكم، بعد عام من توليه السلطة".

وأضاف التاجر المتجول الذي دخل عقده الخامس: "بجانب ميدان القائد إبراهيم، اشتهرت ميادين أخرى في محافظة الإسكندرية، بينها ساحة ’مسجد سيدى بشر‘ و’ميدان الشهداء‘ في منطقة محطة مصر و’ميدان الساعة‘ و’ميدان السيوف‘، إلى حيث توافد مئات الألاف من أبناء المحافظة خلال الأحداث السياسية الكبرى التي شهدتها مصر في السنوات الأخيرة."

وفى السويس، كان ’ميدان الأربعين‘ أحد أكثر ميادين الثورة اشتعالًا في عموم مصر. فقد كان أول الميادين التي شهدت سقوط قتلى خلال أحداث الثورة، بعد أن لقي حتفه ثلاثة من المتظاهرين في مدينة السويس، إضافة إلى جندي من الشرطة المصرية في أيام الثورة الأولى. اليوم أصبح الميدان أيضًا  متنزها للأسرة، مع نشاط الحركة التجارية به.

الميادين و"الفضاء العام"

من جهته، يعتبر عمر عصام -الباحث والمصمّم المعماري- أن ميادين الثورة لم تكن مجرد مكان يتجمع فيه المحتجون، بل يرتبط مباشرة بسردية الفضاء العام، قائلًا: "كانت العيون مترقبة لنهاية عهد وميلاد عهد جديد خلال أحداث ثورة 25 يناير، وظل ميدان التحريرالبطل الأهم في سردية الفضاءات العامة داخل المدينة المصرية، شاهدًا ومؤرخًا لأحداثها السياسية الكبرى وبالأخص ثورة يناير".

وأضاف: "على رغم كثرة ميادين الثورة في مصر خلال يناير 2011 وما تلتها من أحداث سياسية، فقد ظل ميدان التحرير ’الأيقونة‘ الأكثر شهرة لحركة الاحتجاجات باختلاف أشكالها، ولم يتمكن ميدان آخر من انتزاع هذه البطولة خلال السنوات الماضية، خصوصاً وأن تسمية ميدان التحرير بهذا الاسم جاءت عقب ثورة 1919 ضد الاحتلال الإنجليزي لمصر. فقبلها، كان يسمى بميدان الإسماعيلية، نسبة إلى الخديوي إسماعيل، وهو خامس حكام مصر من الأسرة العلوية وحكم بين عامي 1863 و1879.

وأشار إلى "ان الراصد للتاريخ العمراني للمدن المصرية يُمكنه ملاحظة الأدوار والوظائف المتباينة للميادين والفراغات العامة التي أوجدتها في أغلب الأحوال الرغبة لاستكمال الصورة الجمالية الشكلية لتلك المدن، ثم تحولت مع الوقت إلى فراغات ذات وظيفة مرورية بحتة، من دون الأخذ في الإعتبار جدية الدور الإجتماعي لهذه الفراغات في إحتواء النشاط الإنساني للمجتمع بكافة صوره وأشكاله. ووفق الأدبيات المعاصرة في مجال التخطيط والتصميم العمراني، فإن الميادين الكبرى تقدم فضاءً عامًا للمجتمع باعتباره ساحة تتفجر فيها إبداعات الجماعة الإنسانية وعبقرياتها، كحيز قادر على إحتواء التعددية الثقافية والشرائح الاجتماعية المتعدّدة المكونة لبنية المجتمعات، ما يلعب دورًا هاماً في عملية الحراك الاجتماعي داخل المدينة الإنسانية ومحققاً لمفاهيم التنوع البشري".

وقال:"ستظل قضية إستعادة الفراغات العامة لدورها الحقيقي والفعال في حياة المجتمعات، واستيعابها للتجربة الجماعية والمظاهر الاحتفالية للمجتمع، عاملاً مهما لإثراء روح الانتماء والإرتباط بالمكان واحتضان حرية الشعوب في التعبير عن أرائها وتقاليدها وشعائرها وطقوسها وربما أفراحها وهمومها وتساؤلاتها".

الرأي نفسه، يتوافق معه الدكتور نبيل الهادي، معتبراً "أن دور الميادين الرئيسية وقدرتها على استيعاب ملايين الطامحين إلى حقب حرة تحمل آمالًا كبرى، يبقى أحد المكاسب الرئيسية التي يجب العمل عليها".

ويرجع الهادي مسؤولية فقدان "الفضاء العام" لرونقه، إلى جميع الأطراف، قائلاً: "على رغم ما حدث في ميدان التحرير من تغييرات تحمل رسالة برفض التظاهر مجدداً فيه، فإن هذا الأمر يمثل خسارة كبيرة للجميع، ويتحمل الجميع قدرا من المسؤولية في فقدان حرية الميدان كمكان عام بطابع سياسي يسمح بحرية الرأي والفكر والإبداع."

المزيد من الشرق الأوسط