x

فى الذكرى الحادية عشرة لرحيل البابا شنودة.. فيلسوف القرن العشرين .. «غريبًا عشت فى الدنيا» رسالة حملها البابا فى حياته

الثلاثاء 21-03-2023 02:55 | كتب: مينا جرجس |
 البابا شنودة البابا شنودة تصوير : آخرون

لم يكن مجرد رجل دين، لكنه كان أبًا لجميع المصريين، وحارسًا للوطن، وباعثًا للطمأنينة والسعادة.. أما كلماته فكانت بردًا وسلامًا على قلوب مستمعيه، ولايزال كثيرون يراجعون أقواله وعظاته ربما ليخففوا عن أنفسهم مرارة الفقد وعذاب التذكر.

شكّلَ رحيلُه جرحًا فى قلوب المصريين الذين فتّحوا عيونهم ليجدوه مثل مسلة فرعونية أو برج كنيسة أو مئذنة مسجد، لكن مع غيابه اكتشف الجميع أن الوطن فقدَ أحد أساساته القوية.

بعد 11 عامًا على رحيل البابا شنودة الثالث، مازالت الذاكرة الجمعية للمصريين تستعيد صورته الأسطورية وسيرته الممزوجة بأجواء الإيمان والفرحة التى كان ينشرها فى عظاته ولقاءاته.. لكن القلوب مازالت تحمل غُصة، لأنها لم تكن اكتفت من هذا الرجل الذى كان أحدَ سَدَنة الوطنية وحارسًا لهويّة مصر، وأحد عناصر قوتها الناعمة.

«التقرب إلى الله والكلمة الطيبة يدفعان إلى الأمام».. أشهر نصائحه للخدمة

البابا شنودة

الإنسان الروحى

1- الإنسان الذى لا يهتم بشىء من المرئيات، يعيش سعيدًا، ويتحرر من الشهوة والخوف. وفى ذلك قال القديس أغسطينوس: «جلست على قمة العالم حينما أحسست فى نفسى أنى لا أشتهى شيئًا ولا أخاف شيئًا».

البساطة

2- البساطة هى عدم التعقيد، وليست عدم الحكمة.. البساطة المسيحية بساطة حكيمة.. والحكمة المسيحية حكمة بسيطة.. ومن الجائز أن يقول إنسان كلامًا حكيمًا جدًا، وبأسلوب بسيط. تكون له حكمة فى عقله، وبساطة فى قلبه. يتصرف فى عُمق الحكمة، وبكل بساطة، حكمة ليس فيها تعقيد الفلاسفة وإنما فى بساطة يمكن أن يفهمها الكل.

الكلمة الصالحة

3- الكلمة التى تقطرًا شهدًا، كلمة باقية خالدة. لا تنسى.

البابا شنودة

تمتد جذورها فى أعماق القلب، وأعماق النفس من الداخل، يسترجعها الإنسان بين الحين والآخر، لا ينساها. إنها تعمر قلبه، وترسخ فى ذاكرته، إنها كلمة حية، غير عادية باقية.

التشجيع

4- صغار النفوس، والضعفاء، والمبتدئون، والأطفال يحتاجون إلى كلمة تشجيع، تقوى معنوياتهم، وتطمئن نفوسهم، وتدفعهم إلى الامام.. بل صدقونى حتى الكبار أيضًا.. تسرهم كلمة التشجيع أو كلمة المديح.. لأنها تفعل فى النفوس مفعول السحر، وتملأ القلب حبًا ورضا.

استخدموا هذا الأسلوب باستمرار، وانظروا نتيجته.

القلوب العذارى

5- القلوب العذارى هى التى تفرغت لمحبة الله وحده. وقد يسأل البعض: أليس كل إنسان يحب أباه وأمه وأولاده وأصدقاءه وتلاميذه، نقول إنها محبة داخل محبة الله لا تتعارض معها لا تنافسها ولا تنقصها.

تأمل: اجذبنى

6- اجذبنى يا رب وراءك، بدلًا من أن يجذبنى هذا التراب الذى أخذت منه، لأننى تراب وربما إلى التراب أعود.. فاجذبنى إلى محبتك وإلى خدمتك. قل لى: «هَلُمَّ وَرَائِى» (مت4: 19) كما قلت لبطرس وأندراوس... ولا شك أن كلمتك ستكون لها قوة عجيبة لا يستطيع أن يقاومها قلبى.

النجاح

7- إن النجاح يحتاج إلى صبر وإلى مثابرة. والإنسان الذى يدركه الملل والضجر والضيق ولا يستمر. هذا لا يستطيع أن ينجح. انتظر الرَّبَّ حتى يجىء لمعونتك، ولو فى الهزيع الأخير من الليل. كل عمل تعمله لا تقلق على نتيجته. انتظر الثمرة حتى تنضج، وحينئذ تجدها فى يديك، بغير صعوبة.

تأمل: أين ترعى

8- أريد يا رب أن أرجع إليك، فأخبرنى أين ترعى؟

أنا بعيد عنك، ولكنى أحبك، بعدت عنك سلوكًا، ولم أبعد عنك قلبًا، «يَا رَبُّ، أَنْتَ تَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ. أَنْتَ تَعْرِفُ أَنِّى أُحِبُّكَ».

من الجائز أننى تركت نشاطى، أو تركت ممارساتى أو عبادتى أو خدمتى، ولكنى لم أترك محبتك.. ربما تكون صورتى قد تشوهت، ولكن لا تزال تشتاق إلى شبهك ومثالك. أنا أحبك على الرغم من خطيئتى. ليتك تردنى إليك، وتخبرنى أين ترعى؟

آتيًا..

9- بالإيمان، تسمع صوت الرَّب، ولو من بعيد، لا بد سيـأتى.

سيأتى سريعًا، قافزًا على الجبال، ولو فى الهزيع الأخير من الليل. يأتى ليمسح كل دمعة من عيونكم. بالإيمان ترى ما لا يُرى، وتوقن بالأمور غير الموجودة كأنها موجودة، وتسمع صوت الرب ولو كان بعيدًا.

صلِّ

10- إن الله يريدك أن تأتى إليه كما أنت فلا تنتظر..

البابا شنودة

لا تنتظر حتى تصل إلى الصلاة الطاهرة، ثم بعد ذلك تصلى! كلا، بل صلِّ حتى وأنتَ فى طياشة الفكر، وعدم الفهم وعدم القابلية! حينئذ يمنحك الله الصلاة الطاهرة، مكافأة على ثباتك وأنت فى ضعفك.

محبة الله

11- الله هو الكائن الوحيد، الذى إن أحببته، تجده معك فى كل حين، فى كل مكان، فى كل مناسبة. فلا تشعر بالغربة عنه أو بالانفصال عنه فى أى وقت.

فترات التخلى

12- تأكد أن الله لا يتركك مهما تركته. وفى الوقت الذى تقول فيه: «طلبته فما وجدته» يكون هو معك، يعمل لأجلك... لا تيأس إذا مرت عليك فترات من التخلى. لا تظن أنه تخلّ حقيقى! ولا تظن أن التخلى يستمر.. ما أحلى قول الرب عن إحدى فترات التخلى لتلك العاقر.

صلاة الليل

13- ساعة الصلاة بالليل، تقدس فراشك، وتقدس عقلك الباطن، لذلك قبل أن تنام، قدس فراشك بالصلوات، بحديث القلب مع الله. وافرش سريرك بالتسابيح والمزامير والترانيم والألحان والتأملات الروحية، لكى تستطيع أن تنام على فراش مقدس، ويكون الله هو آخر ما يلصق بذهنك قبل النوم، وآخر صورة تصحبها معك فى رحلة النوم ومسالك الأحلام إلى أن تستيقظ.

الخدمة «١»

14- الخدمة هى حب فى القلب، فاض على هيئة خدمة. هى شهوة فى قلب الخادم، أن يوصل الناس إلى الله على قدر ما يستطيع، وبخاصة الذين اؤتمن على خدمتهم.

الخدمة «٢»

15- الخدمة هى حياة تنتقل من شخص إلى آخر، أو إلى آخرين. هى حالة إنسان ذاق حلاوة الرب، ويذيقه لآخرين قائلًا: «ذُوقُوا وَانْظُرُوا مَا أَطْيَبَ الرَّبَّ!» (مز 34: 8). إنها حياة تسرى من روح كبيرة إلى أرواح أخرى. أو هى حياة إنسان امتلأ بالروح القدس، ففاض من امتلائه على غيره.

الخادم الروحى

البابا شنودة

16- الخادم يحاول باستمرار أن يستمد قوة من الله تتجدد فيه كل يوم. إنه يصلى باستمرار ويقول: «إن العالم صعب كما ترى، يزخر بفنون متعددة من الفساد. ومن أنا حتى أقاوم المنجذبين إليها؟، أنت يا رب الذى تستطيع أن تمنح القوة لى، ولهؤلاء السامعين، فأعطنى كلمة من عندك، وأعطنى حكمة أسلك بها، واحفظنى حتى لا أكون عثرة لأحد.. أنت ترشدنى وترشدهم. تعلمنى وتعلمهم، ترعانى وترعاهم، وتقودنى وإياهم إلى المراعى الخضراء وينابيع المياه الحية».

الخادم الروحى نعمة..

17- الخادم الروحى هو نعمة إلهية أُرسلت من السماء إلى الأرض.. هو زيارة من زيارات النعمة، يفتقد بها إلهه بعضًا من شعبه.. يقدم لهم مذاقه الملكوت وطعم الحياة الحقيقية.

الخادم لحن جميل

18- الخادم الروحى هو لحن جميل فى سمع الكنيسة، وأيقونة طاهرة يتبارك بها كل من يراها. وهو سلّم يصل إلى السماء دائمًا، يصعد عليه تلاميذه إلى فوق.

الخادم جسر..

19- الخادم الروحى هو جسر ينقل غيره من شاطئ العالميات إلى شاطئ الروحيات، أو ينقلهم من الزمن إلى الأبدية. هو صوت الله إلى الناس. وليس صوتًا بشريًا، بل هو فم يتكلم منه الله، ينقل إلى الناس كلمة الله.

الخادم فى حضرة الله

20- الخادم الروحى يشعر بالدوام أنه فى حضرة الله. وتكون الخدمة بالنسبة إليه كمذبح مقدس، وعمله فيها رائحة بخور.

البابا والشعب «إيد واحدة» ضد أى تهديدات للمجتمع

البابا شنودة

شارك الراحل قداسة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، فى ندوات ومحاضرات وأهمها:

دعاه هشام عباس، رئيس جمعية المدمنين ومحاربة الإدمان، فى ١٩ مارس ١٩٩٧، لإلقاء محاضرة حول «مخاطر الإدمان».

وفى نفس العام يوم ٢٥ مارس وبدعوة من الدكتور عبد الوهاب عبد الحافظ رئيس جامعة عين شمس، والدكتور محمود عودة عميد كلية الآداب فى ذلك الوقت، شارك قداسته فى ندوة عقدت بالكلية بعنوان المحبة والتسامح فى الأديان.

وعندما أثيرت قضية الاستنساخ، عقد مؤتمر طبى حول رأى الدين المسيحى والإسلامى فى هذه القضية وعلاقتها بالهندسة الوراثية، فى يوم 5 يونيو 1997.

فيما دعاه إبراهيم نافع نقيب الصحفيين الأسبق، للمشاركة فى ندوة بجريدة الأهرام حول الأديان ودورها فى الحفاظ على البيئة، واشترك معه فى نفس الندوة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهر الشريف، فى يوم 11 يونيو 1997.

وشارك فى ندوة أقيمت بفندق سميراميس، دعاه إليها الدكتور حمدى السيد، نقيب الأطباء، فى يوم 20 مارس 1997 حول رأى الدين فى نقل وزرع أعضاء بشرية، حضرها شيخ الأزهر، ومفتى الجمهورية، ووزير الصحة، ورجال دين وأطباء ورجال قانون وإعلام وسياسة.

وفى ندوة أقيمت بنادى الزهور يوم 25 يونيو 1998 شارك البابا شنودة بدعوة من اللواء نادر شريف رئيس النادى، حول موضوع (العقل وما يقوده)، وأجاب عن أسئلة واستفسارات الحضور.

وفى ندوة أعدتها كلية الطب جامعة عين شمس حول قضية (موت الرحمة)، أقيمت يوم 21 فبراير 2000، شارك فيها البابا شنودة والإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهر الشريف، وعدد كبير من أساتذة كليات الطب.

ومن خلال دعوة الدكتور إسماعيل سلام وزير الصحة، فى ذلك الوقت، شارك البابا، فى المؤتمر القومى الأول لمكافحة التدخين والذى انعقد يوم الثلاثاء 30 مايو 2000، وشارك فى المؤتمر الإمام الأكبر شيخ الأزهر، ووزراء الشباب، والصحة، ونقيب الأطباء، ورئيس اللجنة الصحية بمجلس الشعب، وعدد كبير من رجال الصحافة والإعلام والكتاب والفنانين، وتسلم قداسته درع وزارة الصحة خلال المؤتمر.

حاضر البابا رؤساء نوادى الليونز بالقاهرة وشارك بموضوع حول الشخصية المتكاملة، يوم الثلاثاء 29 أكتوبر 2002.

دعته الدكتورة مديحة خطاب عميدة كلية طب قصر العينى، ليشارك قداسته فى محاضرة حول (أخلاقيات مهنة الطب)، يوم الثلاثاء 23 ديسمبر 2003.

كان قداسة البابا حريصا على حسن العلاقة والجوار، فقام باستقبال قيادات ورموز إسلامية؛ منهم الشيخ محمد متولى الشعراوى والشيخ عمر عبد الكافى وشخصيات إسلامية، كما شارك فى مؤتمرات إسلامية، وقام بإلقاء محاضرة وندوات حول «أهمية التسامح والعيش المشترك بين الأديان».

بالصور.. الذكرى الـ ١١ لوفاة «مثلث الرحمات».. تفاصيل الساعات الأخيرة قبل الرحيل

البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية

ظل يُعلّم إلى النفس الأخير فلم يمنعه الألم الشديد من ملاقاة شعبه، فكانت آخر عظة لقداسة الراحل البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، ألقاها يوم الأربعاء الموافق 7 مارس 2012، بعنوان «الذكاء»، وأجاب فيها «معلم الأجيال» على بعض الأسئلة المرتبطة بالأزمات التى كانت تشهدها الساحة حينها من تجاوزات فى حق الأقباط.

شائعات عدم حضوره العظة الأخيرة وشدة مرضه

البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية

كان صوته مليئا بالتعب فقد أرهقه المرض كأنه يودع رعيته.. كانت العظة الأخيرة للبابا شنودة الثالث مختلفة جدا، فكان ينتظره جمع كبير من الشعب رغم إشاعات مرضه وعدم حضوره، إلا أن المئات كانوا ينتظرونه فى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، ليسمعوا صوته فقط، وما كان لافتا للأنظار فى العظة الأخيرة هو صوت البابا الذى أنهكه التعب.

عظة بدأت ولم تنته بعنوان «الذكاء»

البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية

أوضح البابا شنودة الثالث فى عظته الأخيرة، أن «الذكاء» لا يجب أن يكون العامل الأوحد فى تصرفات الإنسان، بل هناك عوامل تعطل قدرات الإنسان الذكائية، كالتعصب والانفعال، ما يجعل الشخص يخطئ حال غلبت بعض طباعه الشخصية على ذكائه.

وأضاف مثلث الرحمات، أن الطمع قد يدفع الشخص لإهدار كل شىء بسبب قدرته الذكائية، وهدفه أن يكون هو الأول، مشيرا إلى أن الخبرة عامل مهم جدا مع الذكاء، ما يضيف للإنسان حياة خبرة فوق حياته، سواء بما احتك به أو بما يستعين به من حياة غيره.

سكرتير مثلث الرحمات يصفه بالأب والمعلم

البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية

قال القمص بولس الأنبا بيشوى، سكرتير البابا شنودة الثالث، عن مثلث الرحمات، قداسة البابا شنودة: ‏كان نومه قليلا جدا بطبعه، وفى آخر أيامه قبل رحيله ومع شدة الألم كان نومه متقطعا وفى أى وقت يغفل يتساءل: «الساعة كام؟».

كما ذكر القمص بولس: طلب البابا منه إعطاءه الإنجيل، وفتح سفرا معينا، وكان يطلب من القمص بولس أن يقرأ له هذا السفر ويظل البابا يسمع بانتباه وابتسامة حتى يطلب منه أن يكتفى بذلك، ويتأمل ما سمعه من الإنجيل، ثم يعود ليرتاح.

وأضاف «بولس»، أن الإنجيل كان نبع تعزيته أثناء المرض فى فترته الأخيرة، قبل الرحيل، وكان نبع حياته. وختم «بولس»، أنه فى اليوم الأخير قبل رحيل البابا بساعات؛ تحديدا فى الساعة الثانية ظهرا، كان ينظر إلى أعلى وقد زال عنه الألم.. سأله بولس فيم يتأمل، فنظر البابا إلى الصليب، أمام سريره، وقال: «يا رب مش هقولك غير زى ما قال أبو مقار الكبير، أنت يا رب تعلم إنه ما بقيت فىّ قوة بعد كفاية كده»، وفى الساعة الخامسة دار حديث قصير، وعندما دقت الساعة الخامسة والربع رحل بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية.

رجل الدين الحقيقى لا يعيش بمعزل عن المجتمع

البابا شنودة الثالث

تميز البابا شنودة باهتمامه الشديد بالعمل العام، وآمن أن رجل الدين الحقيقى لا يعيش فى معزل عن المجتمع، وإنما يتفاعل معه ومع قضاياه، وقد حرص منذ رسامته أبًا وبطريركًا فى 14 نوفمبر 1971 على الاهتمام بالمجتمع ومشاكله، ودعا الأقباط إلى الاندماج فى المجتمع والتفاعل مع قضاياه، وموقفه الداعم للقضية الفلسطينية.

ففى شهر مايو 1994، وأثناء لقاء قداسته أعضاء مجلس الشعب، تحدث معهم عن مشاكل وقضايا الشباب وكيفية مواجهتها، ما أثار إعجاب الحاضرين، وفى شهر أغسطس 1994 انعقد بالقاهرة المؤتمر العالمى للسكان، وأصدر البابا بيانًا حول المؤتمر حدد فيه موقف الكنيسة القبطية الأرثوذكسية من القضايا المثارة بالمؤتمر، مثل الإجهاض وتنظيم الأسرة والمرأة وزيادة النسل، ورأى المسيحية فى العلاقات الجنسية خارج نطاق الزواج، ورأى المسيحية فى العلاقات الجنسية المثلية، ولأجل اهتمامه بالفنون افتتح قداسته، فى 23 ديسمبر 1996، معرضًا للوحات فنية قبطية أقيم بقاعة بيكاسو، حضره الإمام الأكبر الدكتور الشيخ محمد سيد طنطاوى، شيخ الجامع الأزهر، ووزيرة البحث العلمى، فى ذلك الوقت.

وعندما ألقى البابا بندكتوس السادس عشر، بابا روما، محاضرة فى إحدى الجامعات الألمانية، وأثارت هذه المحاضرة غضب المسلمين فى العالم، وقتها عقد قداسة البابا شنودة مؤتمرًا صحفيًا فى المقر البابوى مع الأنبا رويس فى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وأصدر بيانًا استنكر فيه هذه المحاضرة، وحض البابا بندكتوس السادس عشر على الاعتذار للمسلمين، ما أثار إعجاب واحترام العالم كله.

البابا شنودة وحياة الشعر

البابا شنودة الثالث

يروى البابا شنودة فى مذكراته أنه يكتب الشعر منذ الطفولة، لكنه لم يتقن كتابة الشعر فعلًا إلا عندما توجه إلى مبنى دار الكتب المصرية فى باب الخلق، واطلع على كتاب «أهدى سبيل إلى علمى الخليل»، فانكب على دراسته، إذ كان يذهب إلى دار الكتب يوميًا فى الصباح والمساء حتى أتقنه تمامًا، ومنه تعلم علم العروض والقوافى وبحور الشعر.

يقول البابا فى مذكراته إنه عندما كان طالبًا فى البكالوريا، وكان اسمه قبل الرهبنة نظير جيد، طلب منه مدرس اللغة العربية أثناء الامتحان الشفوى أن يتلو عليه إحدى القصائد المقررة، فسأله: أى قصيدة تريد؟ فقال له: القصيدة التى تحفظها. فسأله مرة أخرى: من أى عصر من العصور تريد أن أتلو عليك؟ فأجاب عليه المدرس: وهل تحفظ جميع العصور؟ فأجابه الطالب: نعم، فقال له المعلم: إذن أسمعنى قصيدة من العصر الحديث.

فرد عليه الطالب نظير: ولأى شاعر من شعراء العصر الحديث؟ فسأله المدرس: وهل تحفظ لجميع الشعراء؟ فرد عليه: نعم لأكثر من ثلاثين شاعرًا، فسأله المدرس: ولماذا تحفظ كل هذه القصائد من الشعر؟ فرد عليه الطالب: ذلك لأنى أحب الشعر، فسأله المدرس: وهل تكتبه أيضًا؟ أجاب الطالب: نعم أكتبه، فقال له المدرس: إذًا أسمعنا بعضًا من شعرك. وهكذا كان الطالب نظير جيد أول طالب يُمتحن فى شعره بالبكالوريا. وقد عبّر عن شوقه المبكر لحياة الرهبنة فى قصيدة شهيرة له بعنوان «غريبًا عشت فى الدنيا»، نظمها عام 1946، علمًا بأن تاريخ رهبنته هو 18 يوليو 1954، أى قبل رهبنته بنحو 8 سنوات.

وأثناء وحدته فى مغارة بالقرب من دير السريان، نظم قصيدة بعنوان «من تكون؟»، وتاريخ نظمها عام 1960، وفيها يسأل نفسه بعض الأسئلة الفلسفية مثل: «من أنا؟ ومن أكون؟».

وقد عبر عن هذه النزعة النسكية التى لا تشتهى شيئًا ولا ترغب فى شىء فى قصيدة له بعنوان «وماذا بعد هذا؟»، استوحى معانيها من مثل الغنى الغبى، الذى ورد فى الكتاب المقدس، وملخصه إنسان غنى ظن أنه امتلك كل شىء فى الدنيا، فقال: كلى يا نفسى واشربى فأمامك خيرات كثيرة لسنين طويلة، ولم يعلم أنه فى نفس الليلة سوف يموت، ويترك كل هذا المال.

البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية

وفى قصيدة أخرى لقداسته بعنوان «تائه فى غربة» يعبر فيها عن حتمية الموت، وكيف أن الإنسان لا يستطيع أن يأخذ معه شيئًا.

وننتقل إلى جانب آخر هو الشعر الوطنى، فقد كان يتردد على المنتدى الذى كان يعقده الزعيم مكرم عبيد (1889- 1961) مؤسس حزب الوفد، وكان مكرم كلما شاهده يرحب به قائلًا: «أهلًا شاعر الكتلة».

وفى السنة الثانية أقامت الكلية حفلًا لتكريم عميد الكلية، فألقى فيها قصيدة كوميدية يعبر فيها عن رغبته فى أن يكون عميدًا للكلية ولو لشهر واحد.

وهكذا عاش قداسة البابا شنودة «مثلث الرحمات» حياته بين النسك والزهد والوطنية، والعمل العام والتثقيف حتى امتلأت سيرته بقصص وذكريات لا ننتهى من كتابتها سنويًا فى ذكراه.

طلب من الجمعيات القبطية التبرع ودعم المجهود الحربى فى ١٩٧٣

البابا شنودة

تعددت المواقف الوطنية والسياسية للبابا شنودة، وكانت له رؤيته فى التثقيف والشعر، وفى حرب أكتوبر 1973 عقد اجتماعًا مع الكهنة والجمعيات القبطية لحثهم على الإسهام فى دعم المجهود الحربى، وطلب من كل كنيسة وجمعية تقديم تقرير يومى له عما تقدمه من تبرعات، وشكل لجنة لجمع التبرعات ولجنة للإعلام الخارجى.

وقدمت الكنائس والجمعيات القبطية 15 ألف جنيه، وأوفد قداسته نيافة الأنبا صموئيل لتسليمها للدكتور عبدالعزيز كامل، وزير الأوقاف، فى ذلك الوقت، وقدمت 100 ألف بطانية لوزارة الشؤون الاجتماعية، و30 ألف جهاز نقل دم لوزارة الصحة.

وفى أثناء الحرب كتب قداسته ثلاثة مقالات، هى: «إننا ندافع عن أراضينا وهو دفاع عن الحق، وأرض سيناء مقبرة للإسرائيليين، والصهاينة أعداء المسيحية».

وأدلى قداسته بحديث للتليفزيون المصرى قال فيه: «يسعدنى أن أبعث إليكم فى هذه الفترة الحاسمة من تاريخنا، وأحب أن أبدأ كلمتى بأن أشكر الله الذى منحنا القوة حتى انتصرنا هذا الانتصار، نتوجه بخالص تحياتنا وتهانينا إلى الرئيس المحبوب أنور السادات».

وفى عام 1974 زار قداسته مدينة السويس الباسلة، وهناك تقابل مع اللواء أحمد بدوى، قائد الجيش الثالث الميدانى، وألقى كلمة تشجيع للجنود، كما زار مدينة السويس فى عيدها القومى وأشاد بمواقف شعبها البطولية، ثم زار مقابر الشهداء ووضع إكليلًا من الزهور على النصب التذكارى للشهداء. وزار مدينة الإسماعيلية فى 11/9/ 1976، وألقى كلمة حيا فيها شهداء حرب أكتوبر، وقام بزيارة الجيش الثانى الميدانى وتقابل مع اللواء فؤاد عزيز غالى، قائد الجيش الثانى الميدانى، فى ذلك الوقت، وزار النصب التذكارى للشهداء، ووضع إكليلًا من الزهور على النصب. وفى يوم 9/10/1976، زار قداسته مدينة بورسعيد وعقد مؤتمرًا وطنيًا، بحضور محافظ بورسعيد ومدير الأمن، وفى اليوم التالى توجه قداسته مع المحافظ لزيارة مقابر الشهداء ووضع إكليلًا من الزهور هناك.

أهم محطات حياته وخدمته بـ«سلاح المشاة»

البابا شنودة

فى مثل هذا اليوم تعيد الكنيسة بتذكار نياحة مثلث الرحمات، قداسة البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، البابا 117 لبطاركة الكنيسة الأرثوذكسية.

وُلد فى 3 أغسطس 1923، من أب يدعى جيد روفائيل، فى قرية سلام بمحافظة أسيوط، وقد توفيت والدته بعد الولادة مباشرة، وتولى شقيقه الأكبر روفائيل جيد رعايته وتعليمه هو وشقيقه شوقى جيد.

اجتاز «نظير» مراحله التعليمية الأولى فى دمنهور والإسكندرية وأسيوط وبنها، وأتم دراسته الثانوية بمدرسة الإيمان الثانوية بجزيرة بدارن بشبرا مصر. وفى عام 1939 بدأ خدمته فى مدارس التربية الكنسية بكنيسة العذراء بمهمشة فى القاهرة، وفى سنة 1946م بدأ خدمته بكنيسة الأنبا أنطونيوس بشبرا مصر.

وأثناء دراسته الجامعية كانت له أنشطة متفرقة، وكان مدرسًا بمدارس الأحد، وطالِبًا فى دراسات الضباط الاحتياط، ومدرسًا بمدرسة السلام بسراى القبة، وقد حقق «نظير» كل هذه الأهداف بنجاح.

وفى عام 1947 حصل على ليسانس الآداب قسم التاريخ من كلية الآداب بجامعـة فؤاد الأول (جامعة القاهرة)، وفى نفس العام تخرج فى كلية الضباط الاحتياط، وتطوع الشاب نظير جيد بالجيش وهو طالب فى الجامعة مع أن طلبة الجامعة كانوا معافين من التجنيد فى ذلك الوقت.

وبعد إتمام دراسته الجامعية سنة 1947 أدى عمله ضابط احتياط بسلاح المشاة أحسن أداء، ثم اشتغل بالتدريس فترة من الزمن، وقد التحق بالكلية الإكليريكية وتخرج فيها سنة 1949، وكان أول خريجيها ثم عمل مدرسًا بها ودرب نفسه أثناء هذه الفترة على العديد من الفضائل مثل: النظام، والجدية، والتدقيق، والنشاط، وكان متفوقًا فى دراسة «النظريات العسكرية».

وتولى رئاسة تحرير مجلة مدارس الأحد فى أكتوبر 1949 حتى وقت رهبنته فى يوليو 1954، وفى عام 1952 اختير رئيسًا لمجلس إدارة بيت مدارس الأحد، واستقال ليتفرغ لخدمة مدارس الأحد والكلية الإكليريكية.

وفى 1953 قام بالتدريس فى مدرسة الرهبان بحلوان، وترهب بدير السيدة العذراء السريان بوادى النطرون باسم الراهب أنطونيوس السريانى، وصار أمينًا لمكتبة الدير.

ومنذ عام 1956 حتى 1962 عاش حياة الوحدة فى مغارة تبعد 12 كيلو عن مبيت الدير قضى فيها كل وقته للتأمل والصلاة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية

جميع الأخبار

الأكثر قراءة