موائد الرحمن ..أبهى صور التراحم والتكافل

يتميز شهر رمضان الكريم بالرحمة والمودة والتسامح بين البشر باختلاف جنسياتهم وأعمارهم ، ومن أهم مظاهر التآخي والتكافل الاجتماعي والتراحم في عالمنا العربي كله، ظاهرة انتشار موائد الرحمن في كل مدينة وشارع، وهذه الموائد تمتد بأحجام كبيرة في الأماكن العامة تقدم عليها وجبات كاملة للإفطار بالمجان وتستضيف كل صائم محتاج أو فقير أو حتى عابر السبيل الذي تعذر وصوله إلى منزله قبل أذان المغرب، وجرت العادة أن تشمل قائمة الطعام على هذه الموائد أهم المشروبات الرمضانية مثل قمر الدين والتمر هندي، إضافة للتمر والحليب وتزخر قائمة الطعام بما لذ وطاب من الأكلات الرمضانية الشهيرة والحلويات الشرقية المرتبطة في الأذهان بقدوم الشهر الفضيل مثل الكنافة والقطايف والبسبوسة وغيرها.
وهناك روايات عدة عن نشأة هذه الظاهرة، فبعض المؤرخين يرجع البداية الحقيقية لموائد الرحمن إلى عهد هارون الرشيد، حيث كان يقيم موائد الإفطار في حدائق قصره، وكان يتجول متنكراً بين الموائد، يسأل الصائمين رأيهم في جودة الطعام ومدى كفايته.
إلا أن روايات أخرى تعيد تاريخ موائد رمضان إلى الأمير أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية في مصر، فهو أول من أقام مائدة الرحمن في السنة الرابعة من ولايته، وجمع التجار والأعيان على مائدة حافلة في أول يوم من شهر رمضان وخطب فيهم «إني جامعكم حول تلك الأسمطة لأعلمكم طريق البر بالناس».
ولكن بحسب كتاب «دليل الأوائل» للدكتور إبراهيم مرزوق، فإن الخليفة المعز لدين الله الفاطمي كان أول من وضع تقاليد المائدة في عهد الدولة الفاطمية، وأول من أقام مائدة في شهر رمضان، يفطر عليها أهل جامع عمرو بن العاص، حيث كان يخرج من قصره 1100 قدر من جميع ألوان الطعام، لتوزع على الفقراء.
وأقام الفاطميون موائد خاصة للصائمين حملت بالبداية اسم «دار الفطرة» إلا أنه في عصر المماليك والعثمانيين تراجعت موائد الرحمن بسبب الحروب، وعندما جاء الاستعماران الفرنسي والإنجليزي بدأت الجمعيات الخيرية تعيد إحياء موائد الرحمن للفقراء.
وبحسب كتاب «ابن تغرى بردى - مؤرخ مصر في العصر المملوكي» للدكتور محمد حسين شمس الدين، فإن دار الفطرة كانت تقام خارج القصر قبالة باب الديلم ومشهد الحسين، ومحلها اليوم بجوار الميدان القبلي لجامع الحسين تجاه بوابة الباب الأخضر.
ومنذ مطلع السبعينات بدأت موائد الرحمن بالازدهار وانتشرت في العديد من الدول العربية والإسلامية.