قبل 18 عاما.. آلاف الوثائق قدمها صدام حسين لإثبات خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل

صدام حسين يحث العراقيين على مواصلة المقاومة 1998/12/19
صدام حسين رغب في أن يظن العالم أنه يمتلك أسلحة دمار حتى لا يبدو ضعيفا أمام أعدائه (الجزيرة-أرشيف)

قدم العراق في نهاية 2002 تقريرا ضخما إلى مجلس الأمن الدولي، يتضمن برامجه العسكرية والمدنية التي يمكن أن تكون لها تطبيقات عسكرية، وذلك قبل نحو 4 أشهر فقط من غزو العراق.

ويجيب التقرير العراقي عن أسئلة بقيت عالقة بعد عمليات التفتيش، التي شهدها العراق بين عامي 1991 و1998، حيث قدم العراق أدلة تؤكد تخلصه من جميع القذائف والقنابل الكيميائية والجرثومية.

التقرير الذي أعلنه العراق في السابع من ديسمبر/كانون الأول 2002 تضمن نحو 12 ألف صفحة، وكتب قسمه الأساسي باللغتين العربية والإنجليزية، قبل أن تتم ترجمته إلى الفرنسية والروسية والصينية، وهي لغات الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي.

تركي: العراق أكد في تقريره أنه لم يعد يمتلك أي نوع من أسلحة الدمار الشامل
تركي: العراق أكد في تقريره أنه لم يعد يمتلك أي نوع من أسلحة الدمار الشامل (الجزيرة نت)


أسلحة العراق

لم يمتلك العراق أية أسلحة دمار شامل، باستثناء الأسلحة الكيميائية التي تم تدميرها، وإنهاء القدرة على إنتاجها خلال عقد التسعينيات من القرن 20، حسب الباحث في مركز الدراسات الإقليمية بجامعة الموصل الدكتور فارس تركي.

ويؤكد تركي للجزيرة نت أن فرق التفتيش الدولية تخلصت من الأسلحة الكيميائية، وفرضت نظام رقابة مشددا بغرض التأكد بشكل كامل من عدم قدرة العراق على إعادة إنتاجها.

ويشير المفكر السياسي حسن العلوي إلى أن العراق كان يريد امتلاك أسلحة تتجاوز قدرة الدول التي في حالة عداء معه، لكن القول إنه كان يعمل على القنبلة الذرية "مستبعد".

ويضيف العلوي للجزيرة نت أنه حتى لو كان العراق يفكر في شراء مثل هذه الأسلحة الذرية من حلفائه في الاتحاد السوفياتي السابق أو روسيا، فإنه لا يستطيع لكونهم يعلمون أن ذلك فيه تبعات دولية.

ويبيّن الخبير العسكري العراقي عبد الخالق الشاهر أن أسلحة العراق كان معظمها تقليديا، عدا الكيميائي المزدوج، الذي ثبت عدم فاعليته بعد فحصه من قبل فرق التفتيش الدولية.

الحاج حمود أكد أن لجان التفتيش خرجوا بنتيجة مفادها أن العراق لا يملك أسلحة الدمار الشامل - صحافة عراقية
الحاج حمود أكد أن لجان التفتيش خرجت بنتيجة مفادها أن العراق لا يملك أسلحة الدمار الشامل (الصحافة العراقية)


تفتيش وتدمير

الموقف الحكومي العراقي في ذلك الوقت سمح لكل فرق التفتيش بدخول كل المنشآت العراقية المشكوك في امتلاكها أسلحة دمار شامل، بما فيها القصر الجمهوري، كما يقول وكيل وزارة الخارجية العراقية السابق (2004-2010) محمد الحاج حمود.

ويؤكد الحاج حمود للجزيرة نت أن لجان التفتيش خرجت بنتيجة مفادها أن العراق لا يملك هذه الأسلحة، ودمرت كل نوع من السلاح المشكوك في كونه من الأسلحة الجرثومية أو الكيميائية.

ويضيف أن عمليات تدمير أسلحة العراق تمت بإشراف لجان التفتيش ومنظمة الطاقة الذرية، ولم يعترض العراق على هذا الشيء، أملا في أن يتخلص من نتائج هذه التهمة.

ويكشف الشاهر للجزيرة نت عن كتاب رسمي تسلمه رسميا من رئاسة الجمهورية آنذاك عندما كان مدير الأركان العامة للفيلق الأول، وعممه على القطعات قبل الغزو الأميركي بأشهر، ينص على أمر من الرئيس صدام حسين بعدم إخفاء أية معلومة تتعلق بأسلحة الدمار الشامل.

ويروي اللواء الركن المتقاعد مشاهداته عندما كان رئيس الهيئة التدريسية في جامعة البكر، وكانت فرق التفتيش تفحص كل بحوث طلبة الجامعة، ويضيف أنه قبلها كان ضابط ركن في رئاسة أركان الجيش، حيث تم تدمير كل سلاح يمكن أن يكون من وسائل الوصول لأسلحة الدمار الشامل.

ويسترسل بالقول: كنت أشاهد كيف يتم تدمير تلك الأسلحة، ومعها حتى بعض الأجهزة الكهربائية كالثلاجات ومبردات الهواء، فقد دمروا كافة الصواريخ (غير المحرمة)، وأبقوا للعراق صواريخ غير موجهة بمدى أقل من 150 كيلومترا.

من جانبه، يرى الباحث وخبير الشؤون الأمنية والإستراتيجية مؤيد الونداوي أن لجان التفتيش التي عملت في العراق ضمت أشخاصا غير متخصصين في البرامج العلمية، سواء البيولوجية أو غيرها، وكان هناك فريق آخر معظمه يعملون للمخابرات البريطانية والأميركية.

وينوه خلال حديثه للجزيرة نت إلى أن عمليات التفتيش التي أجرتها الوكالات جميعها كانت انتهت قبل وقت طويل من شن الغزو، ولكن الأميركيين وحلفاءهم فرضوا نوعا من اللعب، على حد قوله.

ويعزو الونداوي سبب مماطلة لجان التفتيش إلى كسب الزمن لحين استكمال عمليات الحشد العسكري للتحالف، وإقناع الدول بالمشاركة في عملية الغزو.

تضمن تقرير العراق نحو 12 ألف صفحة يثبت فيه خلوه من أسلحة الدمار الشامل - غيتي
تقرير العراق للأمم المتحدة تضمن آلاف الوثائق لإثبات خلوه من أسلحة الدمار الشامل (غيتي-أرشيف)

 

فحوى التقرير
الإعلان العراقي في السابع من ديسمبر/كانون الأول 2002 كان يغطي 3 فترات زمنية: ما قبل عام 1991؛، ومن 1991 حتى 1998، ومن عام 1998 حتى وقت تقديم التقرير، وذلك حسب ما صرّح به -حينها- مدير دائرة الرقابة الوطنية العراقية آنذاك اللواء حسام محمد أمين.

وأشار أمين إلى أن إجمالي البيانات النووية التي تضمنها التقرير العراقي بلغت نحو 2400 صفحة، في حين بلغ إجمالي معلومات الملف الصاروخي نحو 6300 صفحة، وبلغت المعلومات الكيميائية نحو 1800 صفحة، كما بلغ إجمالي البيانات البيولوجية نحو 1330 صفحة.

وبالعودة إلى الباحث تركي، فإنه يؤكد أن التقرير العراقي كان بمثابة استعراض لكل الخطوات والإجراءات التي اتخذها العراق، وبالتعاون مع فرق التفتيش الدولية؛ من أجل التخلص من أسلحة الدمار الشامل.

وتضمن التقرير مسحا شاملا لكل الجهود التي بُذلت في مجال التخلص من الأسلحة المحرمة، منذ عام 1991 وحتى عام 2002، وفي هذا التقرير أكد العراق أنه لم يعد يمتلك أي نوع من أسلحة الدمار الشامل، حسب تركي.

الونداوي: العراق أرسل بطريقة سرية طائرات هجومية وقاصفة إلى مصر- مواقع التواصل
الونداوي تساءل: إذا كان العراق يصنع قنابل ذرية فأين المختبرات والبنى التحتية لذلك؟ (مواقع التواصل)

ويلفت الونداوي إلى أن الملفات التي قدمها العراق تضمنت كل ما يثبت تدمير الأسلحة على يد الأمم المتحدة، وما تخلت عنه الحكومة العراقية، وما تم إنجازه من خلال الفرق المشتركة بأن العراق خالٍ من أسلحة الدمار الشامل.

ويتساءل الونداوي: إذا كان العراق يصنع قنابل ذرية؛ فأين المختبرات والبنى التحتية لذلك؟ وهل يعقل أن فرق التفتيش التي وصلت لخزانة ملابس أسرة صدام حسين عاجزة عن الوصول للمعامل المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل لو كانت موجودة بالفعل؟

وفي السياق ذاته، ينوه العلوي إلى تعاون العراق مع المجتمع الدولي، حيث كانت بغداد ترد على جميع الأسئلة التي تطرحها الأمم المتحدة والدول والبعثات التي تأتي للعراق بشأن ملف امتلاك العراق مثل هذه الأسلحة.

ويضيف أن العراق لم يكن متهربا، ولم يعق عمل فرق التفتيش، مثلما فعلت كوريا الشمالية أو إيران، بل كان يسمح لها بالتفتيش وطرح الأسئلة، لكونه لم يكن يملك أسلحة ذرية، وليست لديه أية معامل تتعلق بصناعة الأسلحة الذرية.

ويعتقد العلوي أن العراق كان صادقا حول التقارير التي قدمها بما يتعلق بتفنيد المزاعم الدولية بامتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل.


الاستجابة الدولية

الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولجنة التفتيش التابعة للأمم المتحدة زعمتا أن إعلان العراق غير كامل، خاصة ما تضمنه قرار مجلس الأمن رقم 1441، الذي صدر في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني 2002، حسب الونداوي.

ويضيف أن القرار الدولي كان يطالب العراق بالكشف عن مخزونه من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية وعن برامج التسلح التي لم تستطع فرق التفتيش كشفها أو الوصول إليها، كونها غير موجودة أصلا.

ويتابع الونداوي قائلا أستطيع أن أتفهم سبب استهزاء المسؤول الأميركي من التقرير، لأنه عندما يقلل من قيمة هذا التقرير إنما يبرر شنّ بلاده العدوان، لكن المشكلة في الأمم المتحدة، التي لم تُعطِ الأهمية لمثل هذه التقارير في الإعلان عن خلو العراق من الأسلحة.

ويبيّن الحاج حمود أن الموقف العراقي لم يجد آذانا مصغية لشرحه وآرائه، وذلك لأن الدول التي كانت تهدف إلى غزو العراق استمرت في مشاريعها، بغض النظر عن نتائج التفتيش.

ويشير حمود (الدبلوماسي العراقي الذي عمل سفيرا في وزارة الخارجية العراقية ورئيس الدائرة القانونية فيها في الفترة من 1981 إلى 1986) إلى أن الولايات المتحدة كانت من أكثر الدول اعتراضا على مواقف العراق الرافضة للاتهامات حول أسلحة الدمار الشامل.

ويُرجع سبب الموقف الأميركي إلى أهداف سياسية مبيتة لا علاقة لها بالأسلحة، وكانت قضية الأسلحة ذريعة لغزو العراق، حسب الحاج حمود.

واشنطن أصرت على غزو العراق رغم إثباته بأنه لا يمتلك أسلحة دمار شامل – رويترز
واشنطن أصرت على غزو العراق رغم إثباته أنه لا يمتلك أسلحة دمار شامل (رويترز)


غزو العراق

الشكوك بامتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل قبل الغزو لم تكن مقتصرة على الأميركان، بل حتى أعضاء مجلس الأمن الدولي كانت لديهم مثل تلك الشكوك، والتي عبَّر عنها بشكل واضح قرارهم رقم 1441، كما يفيد الباحث تركي.

ويبدي تركي اعتقاده بأن سبب عدم التيقن الكامل من خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل يعود في جزء منه إلى سلوك النظام العراقي السابق، الذي كان يعتقد أن بقاء الشك بامتلاكه أسلحة ردع قد يحميه إقليميا ودوليا، ويكسبه هالة من القوة والهيبة.

ويحمّل الونداوي الأمم المتحدة مسؤولية غزو العراق وتدميره، مستبعدا تعافي العراق قريبا، بعد أن تحول إلى بلد ضعيف، يحتاج إلى وقت طويل وجهود ومساعدة دولية وإقليمية كي يستقر ويتعافى.

في حين يحمّل الشاهر الإدارة الأميركية كامل المسؤولية عن غزو العراق بمبررات هزيلة وكذبها، فضلا عن أن غزوها لم يكن محسوبا.

المصدر : الجزيرة