الفن سلاح آخر ضد القذافي

لوحة للفنان قيس الهلالي،القذافي هارب بحفنة دولارات ( الجزيرة نت ).

لوحة تظهر القذافي وهو يهرب حاملا حفنة دولارات (الجزيرة نت)

خالد المهير-بنغازي

ابتكر الليبيون وسائل متعددة منذ اللحظة الأولى لثورتهم ضد حكم العقيد معمر القذافي، ولم يتوقفوا عند وضع صوره على أكياس القمامة وأعمال فنية أخرى مثل تجول شاب في بنغازي بسيارة تشبه إلى حد بعيد السيارة التي استخدمها القذافي ليلة الحديث عن هروبه إلى فنزويلا يوم 20 فبراير/شباط الماضي، لكنهم استخدموا الكاريكاتير أيضا بقوة للتعبير عن حجم الغضب الكامن في صدورهم طيلة 42 عاما.

وعن طريق ذلك توصلوا إلى مناطق لم تسلط عليها الأضواء في شخصية العقيد، واستفادوا من عباراته وأقواله التي يطلقها عادة من تحت الأرض، وكيف احتقر شعبه الذي طالب بحريته بعد أربعة عقود وراء القضبان.

ودفع أشهر فنان ساخر وهو قيس الهلالي حياته ثمنا لتجسيده القذافي في شوارع بنغازي مطاردا بالمبيدات الحشرية، حيث اغتالته الكتائب يوم 19 مارس/آذار الماضي عند محاولتها اقتحام المدينة.

صورة واقعية
في حوار مع الجزيرة نت يقول الفنان الساخر خالد العبيدي إنه يرابط يوميا منذ أيام الثورة الأولى أمام محكمة بنغازي لتوضيح حجم انتهاكات القذافي، معتبرا وجوده في ساحة الحرية أشبه بوجوده على جبهات القتال.

وبحسب العبيدي فإنه وغيره من الفنانين لم يجدوا عناء في إخراج عيوب القذافي إلى حيز الوجود، وإخراجه بالصورة التي عليها الآن من خلال تقديمه بدون رتوش وجماليات التي اعتادت وسائل إعلامه تلوينه بها.

ورسم العبيدي القذافي في شكل "سفاح وقاتل ومجرم ومصاص دماء ومهزوم داخل قبوه"، قائلا إنه حاليا بعيد عن الواقع ويقول إنه المجد وهو يقبع في حفرة بعمق 30 مترا.

الفنان الساخر قيس الهلاليالذي اغتالته كتائب القذافي (الجزيرة نت)
الفنان الساخر قيس الهلاليالذي اغتالته كتائب القذافي (الجزيرة نت)

لوحة استفزازية
أما الفنان فتحي الشويهدي فقد جسد القذافي قبل انطلاق الثورة في لوحات صامتة لا تحمل تعليقات رأت النور مع الثورة الجديدة، مؤكدا أنه نشر عددا من اللوحات التي تحمل الطابع الرمزي دون التعبير المباشر في وسائل محلية خلال الفترة السابقة.

يقول الشويهدي للجزيرة نت إن هناك أشياء لافتة في شخصية القذافي مثل "السفشوفة" في إشارة إلى شعر الرأس، ورسم في إحدى لوحاته العقيد مقيدا بعلم الولايات المتحدة ويرى أن تلك الصورة أكثر استفزازا للقذافي والجمهور المتلقي.

ولاحظ الناقد الفني عادل بوجلدين التعمد في استعمال السب وتحقير العدو، والإشارة إلى بعض الصفات الخلقية "الذميمة"، لكنه حذر من استخدام مثل هذه العبارات على خيال الأطفال الذين يختلف عالمهم عن عالم الكبار.

ودافع عن سقف السخرية طالما كانت في الحدود المسموح لها، مضيفا أن القذافي كان في عهده خطا أحمر والأعمال الحالية مجرد تنفيس بعدما كان يُعتبر أنه الزعيم وأن عائلته شخوص مقدسة لا يجوز المساس بها.

طارق الشرع: الفن الكاريكاتيريأشبه بصناديق الاقتراع (الجزيرة نت)
طارق الشرع: الفن الكاريكاتيريأشبه بصناديق الاقتراع (الجزيرة نت)

مواجهة القمع
وفي مداخلته التي أطلق عليها "ترميز الواقع" قال الناقد طارق الشرع للجزيرة نت "إن استدعاء الفن الكاريكاتيري في مثل هذه المرحلة أمر إيجابي بامتياز، باعتباره شكلا من أشكال التعبير السلمي تجاه السلطة المستبدة"، واعتبر أن هذا الفن في هذا الجانب أشبه بصناديق الاقتراع "حتى وإن تجسدت على جدران برسومات رديئة".

وقال "في جانب مختلف تفرز هذه اللوحات العفوية شحنة هائلة من الكبت الذي تعانيه الذاكرة الشعبية، وهو ما ظهر جليا في الأيام الأولى من تحرر بنغازي عبر إنتاج اللوحات الساخرة دون البحث عن متلقيها الاعتيادي، وهنا بالضبط تشكل عمل غير واع بأهميته، لكنه فعال تجاه متلقٍّ بعينه"، قائلا إن الرقيب كان يمارس سلطته "القمعية" تجاه كل تعبير فردي أو جماعي خلال أكثر من أربعة عقود من الزمن.

وأوضح الشرع أن هذا النوع من الفنون يدعم التوثيق لتلك المرحلة عبر محاولة تشكيل علاقة بين الظلم وممارسته القمعية (الدماء، النار، السلاح)، مما أنتج أداة توثيقية متفوقة بسبب مرجعيتها الذهنية والتخيلية عند الفنان الذي يحاول ترميز الواقع.

شخصية العقيد
وتحدث رئيس تحرير صحيفة الكلمة محمد المزوغي عن مواكبة الفن للثورة، وقال إن الرسم الكاركتيري كان حاضراً وبقوة منذ أيام الانطلاقة الأولى.

وقال المزوغي للجزيرة نت "عندما أسسنا المركز الإعلامي لثورة 17 فبراير في مقر المحكمة العليا التي تعرضت للحرق، كان قيس الهلالي ومجموعة من الشباب في إحدى الغرف يرسمون على كل شيء: الورق والجدران، ولهذا كان من الطبيعي أن يحتل الرسم الكاريكاتيري مساحة كبيرة في أول عدد من أعداد صحيفة ليبيا 17 فبراير".

لوحة صامتة للفنان فتحي الشويهديتصوّر القذافي مقيدا بالعلم الأميركي (الجزيرة نت)
لوحة صامتة للفنان فتحي الشويهديتصوّر القذافي مقيدا بالعلم الأميركي (الجزيرة نت)

وتابع "مع مرور الأيام صدر نتاج كبير من الرسوم الساخرة مستفيدا من التجربة  المصرية من جانب ومن مساحة الحرية التي فتح بابها فجأة على مصراعيه في جانب آخر".

أما الجانب الأهم الذي أجج نار هذه الظاهرة -حسب المزوغي- فهو الغضب الكبير الذي اكتمل في النفوس نتيجة مشاهد القتل البشعة التي ارتكبها القذافي، فانطلقت بالتالي آلاف الرسوم واتسم كثيرٌ منها بالعفوية، لكن بعضها كان ذكيا وماهرا استطاع أن يحدث زلزالا ضخماً في المكانة التي حاول العقيد طوال أربعين عاما ترسيخها لنفسه.

وأكد أن الرسم الساخر استطاع أن ينال من شخصية القذافي لا على صعيد الشكل فقط، بل حتى على صعيد مكوّنات الشخصية (العجرفة، الأنفة)، مشددا على أنه وصل إلى مفتاح النَيل من شخصية العقيد بصورة مكنت من خلخلة النظام، ولا أدل على ذلك من محاولة الانتقام التي راح ضحيتها الشهيد قيس الهلالي والتهديدات بالقتل التي تلقاها كثير من فناني الرسم الساخر.

المصدر : الجزيرة