في واقعة نادرة من نوعها منذ أن تولى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حكم البلاد في 2013، خرج مئات المواطنين إلى ميدان التحرير وبعض شوارع وسط القاهرة ومحافظات مصر يهتفون ضده وبـ"سقوط النظام".
لكن الصورة لا تزال ضبابية، ويبدو أن مصر تسير على صفيح ساخن، حتى أن الجيش
تدخل للتحذير من الصحفات على وسائل التواصل الاجتماعي والتي تتحدث باسمه داعية إلى النزول للشوارع للتظاهر ضد السيسي.
المتحدث باسم الجيش المصري نشر بيانا على فيسبوك نفى فيه وجود أي صفحات تتحدث باسم القوات المسلحة المصرية باستثناء صفحة المتحدث على فيسبوك وتويتر.
فمن الذي حرك الشارع، ولماذا اندلعت التظاهرات؟ وهناك أسئلة أخرى كثيرة تدور في ذهن متابعي الشأن المصري.
عقب مباراة الديربي المصري الشهير في كرة القدم بين فريقي الأهلي والزمالك مساء الجمعة، خرجت تظاهرات تلبية لدعوات أطلقت على شبكات التواصل الاجتماعي تطلب "إقصاء" السيسي عن السلطة، خصوصا من قبل محمد علي المقاول المصري المقيم في الخارج بعد توجيهه اتهامات بـ"الفساد" للرئيس وقيادات من الجيش.
وتناقل آلاف المغردين على مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلات فيديو لتظاهرات جرت في عدد من المدن في اليوم نفسه، بينها حشود كبيرة عطلت حركة السير في الاسكندرية والمحلة ودمياط في دلتا النيل والسويس التي امتدت فيها الاحتجاجات لليوم الثاني على التوالي .
وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع في ميدان التحرير مركز ثورة 2011 التي أطاحت الرئيس حسني مبارك.
وبحسب المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو منظمة غير حكومية، فان عدد الذين ألقي القبض عليهم، وفقا للبلاغات التي تلقاها المركز، وصل إلى 356 شخصا.
وعقب التظاهرات وعلى فيسبوك، نشر المقاول علي فيديو جديدا طالب فيه المصريّين بتنظيم تظاهرة "مليونية الجمعة المقبلة في الميادين العامة".
والأحد، شهد مؤشر البورصة المصرية الرئيسي EGX30 هبوطا حادا بلغ نسبة 5 بالمئة، ليعكس نقص ثقة المستثمرين بعد أحداث الجمعة.
أتت تظاهرات الجمعة في واقعة نادرة الحدوث تحت حكم السيسي في مصر بعد دعوة علي المقاول المصري الأربعيني الذي يعيش حاليا في إسبانيا خلال سلسلة من الفيديوهات التي انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي يتهم فيهاالرئيس والجيش المصريين بـ"تبديد المال العام في مشروعات لا طائل منها وفي تشييد قصور رئاسية".
ورغم أن علي لم يقدم أي دليل على مزاعمه حول تبديد النظام المصري لملايين الجنيهات من المال العام، إلا أن فيديوهاته شوهدت ملايين المرات ولاقت تفاعلات كثيرة من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في مصر.
وتحدث علي في فيديوهات تراوح مدة الواحد منها بين 20 و30 دقيقة عن مشروعات اعتبر أن "لا لزوم لها بينها استراحات وقصور رئاسية في مناطق في القاهرة والاسكندرية".
ويقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة حسن نافعة لوكالة الصحافة الفرنسية إن "الصورة التي أراد السيسي أن يبرزها عن نفسه باعتباره منقذ مصر من حكم الإخوان .. سقطت تماما".
وأوضح أن "الشعب يحمل تراكمات تجاه سياسات السيسي .. فهناك موضوع جزيرتي تيران وصنافير والسياسات الاقتصادية التي جعلت مصر دولة مدينة بنحو 106 مليار دولار والتعديلات الدستورية التي تمدد من بقائه حتى 2030".
وعلق بالقول :"ثم جاء محمد علي ليصبح بطلا من منظور معين وهو أنه أسقط القناع عن السيسي .. لكن بالطبع ليس هو القائد أو الزعيم الشعبي .. هو يؤدي دورا معينا".
وأضاف نافعة "في المقابل .. تحدى السيسي بشكل مستفز في رده على الاتهامات وقال نعم أبني قصورا".
وفي 14 سبتمبر نفى السيسي في مؤتمر عقد في القاهرة الاتهامات بـ"الفساد"، مؤكدا أنه "شريف وأمين ومخلص".
وعن بناء القصور الرئاسية، قال السيسي بالعامية المصرية "نعم أنا عامل (شيدت) قصور رئاسية وهعمل (سأشيد) .. أنا أبني دولة جديدة ليست باسمي وإنما باسم مصر".
وخلال ست سنوات حتى الآن من إدارة السيسي للبلاد، لم يحدث أن تظاهر المواطنون بشكل ملحوظ سوى مرة واحدة، بسبب إحكام القبضة الأمنية، وهي عندما قام الرئيس في حزيران 2017 بالتصديق على اتفاقية تمنح السعودية السيادة على جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر.
وتفرض حكومة السيسي إجراءات تقشفية صارمة منذ 2016 في إطار برنامج للاصلاح الاقتصادي للحصول على قروض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، ما أدّى إلى تزايد الاستياء الشعبي بسبب ارتفاع الأسعار.
ويعيش حوالى واحد من كل ثلاثة مصريين تحت خط الفقر بأقل من 1.40 دولار يوميا في البلد التي يبلغ تعدادها زهاء 100 مليون نسمة، بحسب أرقام رسمية نشرت في يوليو الماضي.
تخضع التظاهرات في مصر لقيود شديدة بموجب قانون صدر في نوفمبر 2013 بعد عزل الجيش الرئيس الراحل محمد مرسي إثر تظاهرات حاشدة. كما فرضت حال الطوارئ منذ 2017 وما زالت مطبقة.
ومنذ ذلك الحين تشن السلطات حملة واسعة على المعارضين، وسجنت آلاف الإسلاميين إلى جانب ناشطين علمانيين ومدونين يتمتعون بشعبية.
ومن جهته، قال نافعة إن "شريحة المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع، هي شريحة شعبية ليس لها أي علاقة بالسياسة تفاعلت فقط مع فيديوهات محمد علي وذُهلت من حجم المعلومات التي قالها".
وأضاف أن "الإخوان ليس لهم علاقة بتلك التظاهرات".
ووصف نافعة المتظاهرين بأنهم "الشريحة المطحونة اجتماعيا والتي تقول لنفسها: لن نخسر شيئا".
كان الرئيس المصري قد غادر مساء الجمعة إلى الولايات المتحدة لحضور أعمال الدورة الـ74 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وفي ظل ما كان جاريا من أحداث، عكفت قنوات الإعلام المحلي على إبراز صورة مستقرة لميدان التحرير وأنه لم تخرج احتجاجات إلى الشوارع وأن ما حدث كان مجرد احتفالات ما بعد مباراة الديربي.
كذلك حرص بعض الإعلاميين على إلقاء لوم ما حدث على جماعة الإخوان المسلمين والتي تصنفها السلطات في مصر "تنظيما إرهابيا" منذ نهاية 2013.
وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري في مداخلة هاتفية مع الإعلامي المصري الشهير عمرو أديب إن "ما ينشر على بعض وسائل الإعلام المعادية لمصر هو حقد دفين لما حققته مصر من إنجازات وما تلقاه الرئيس عبدالفتاح السيسي من اهتمام من قادة العالم".
ويقول المحلل السياسي المصري مصطفى السيد "ما جرى الجمعة هو علامة ولا بد أن تثير قلق السلطات الحاكمة، فقد خرج الناس للاعتراض على الرغم من العنصر الأمني القوي".
وأضاف "مثل هذه الاحتجاجات لا أظن أنها قد تقف عند هذا الحد .. ولكن من الصعب التنبؤ".
وأصدرت الهيئة العامة للاستعلامات في مصر بيانا دعت فيه مراسلي وسائل الإعلام الدولية إلى عدم "تجاوز الحقيقة" في تغطيتهم الإخبارية، لكن من دون أن تأتي بشكلٍ مباشر على ذكر الاحتجاجات.