موائد الرحمن تعود للعصر العثماني وتعكس عطاء الامارات

موائد الرحمن تعود للعصر العثماني وتعكس عطاء الامارات

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تعد موائد الرحمن من أبرز أشكال التكافل الاجتماعي التي تصاحب شهر رمضان على مستوى العالم الاسلامي.

حيث تبرز المحبة بين أفراد المجتمع. فكرة موائد الرحمن ليس بالجديدة، إنما تعود في جذورها للعصر العثماني، وكانت تسمى بالموائد السلطانية الذي تغير فيما بعد إلى الموائد الملكية، إلا إنها اختفت مع بداية القرن الماضي، لتظهر مرة أخرى في سبعيناته. وتؤكد روايات أخرى، أن الأمير أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية، هو أول من أقام موائد الرحمن، حيث دعا إليها الأعيان وكبار رجال الدولة وقد صاحبهم عدد كبير من فقراء مصر، حينها أعلن عن استمرارها طوال رمضان، لتستقبل الفقراء والمساكين وعابري السبيل، وحث ابن طولون الأعيان على الاقتداء به لتصبح موائد الرحمن معلما رمضانيا. وكان الخليفة المعز لدين الله الفاطمي أول من وضع تقليد الإكثار من المآدب الخيرية في عهد الدولة الفاطمية، وهو أول من أقام مائدة في الشهر الكريم، ليفطر عليها رواد مسجد (عمرو بن العاص)، وكان يخرج من قصره 1100 قدر من جميع ألوان الطعام، لتوزع على الفقراء.

وفي العصر الفاطمي، كانت تمتد آلاف الموائد المليئة بأطيب الطعام للصائمين غير القادرين، ولعابري السبيل، واهتم الخليفة العزيز بالله، ومن بعده المستنصر بالله بموائد الإفطار التي كانت تقام في قصر الذهب للأمراء ورجال الدولة، وفي المساجد الكبرى للفقراء والمساكين. بالمقابل، بنى الخليفة الفاطمي العزيز بالله، دارا سميت بدار الفطرة خارج قصر الخلافة بالقاهرة، لصناعة ما يحمل إلى الناس في العيد من حلوى، وكان يبدأ العمل فيها من أول رجب، ويستمر لآخر رمضان، ويستفيد منها الأمراء والفقراء كل على قدره.

الإمارات دار الخير... أما في الإمارات فقد بدت موائد الرحمن، التي لم يعرف لها تاريخا محددا، شكلا من التعاون والتكافل الاجتماعي. وتطورت مع ما أصاب الدولة من تطور، لتأخذ اشكالا مختلفة منها ما نراه حاليا في امارات الدولة، وقد لقيت اهتماما واسعا من قبل الشيخ زايد آل نهيان رحمه الله واخوانه اصحاب السمو حكام الامارات، وعدد كبير من المحسنين والهيئات الخيرية والشركات الخاصة التي دأبت على اقامتها طوال الشهر الكريم. يحدثنا سلطان بن غافان عن اشكال موائد الرحمن السابقة في الامارات فيقول: (منذ القدم وروح البساطة حاضرة في مجتمع الإمارات، وتجلت في شهر الخير، حيث كان رب الأسرة يتناول طعام الإفطار مع جيرانه طوال الشهر الكريم، وكان يحضر لها قبل حلول رمضان. حيث يرسل أبناءه إلى الجيران ليبلغهم عن مائدة الافطار التي سيقيمها خارج منزله ويخصص منطقة يفرشها بالحصر، ومع حلول موعد الافطار في اليوم الأول يبدأ الجيران بالتوافد عليها مصطحبين معهم طعامهم وشرابهم، من ثريد وهريس وعصيده وسمك ولقيمات، التي كانت ربات البيوت تعدها، ونظرا لعدم وجود ميكروفونات في المساجد فكان الصبيان يقفون للاستماع إلى المؤذن الذي يصرخ باعلى صوته (افطروا) بمجرد الانتهاء من الأذان).

ويواصل: (كان الهدف من هذه المائدة إعانة الفقير وعابري الطريق والمتأخرين عن بيوتهم، وبعد الانتهاء من الافطار كان الرجال يقومون بزيارة من غاب عن المائدة للاطمئنان عليه والسؤال عنه ومساعدته في تجاوز محنته، وحتى الآن ما زالت هناك بعض الأسر تحافظ على هذه العادة.

وبعد انشاء الاتحاد بدأت الموائد تأخذ شكلا مختلفا، حيث تبناها الشيخ زايد آل نهيان رحمه الله واخوانه اصحاب السمو حكام الإمارات ووجهوا إلى اقامتها داخل وخارج الدولة إمعانا في الكرم والجود، وواصل خلفه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد رئيس الدولة واخوانه اصحاب السمو حكام الإمارات اقامتها وتوسيعها لتشمل كافة ارجاء الدولة وخارجها، وترجمتها الجمعيات والهيئات الخيرية).

ويردف بن غافان: (صاحبت موائد الرحمن مجالس ذكر لأعيان البلاد يجتمع فيها الجميع بعد صلاة التراويح وما زالت هذه المجالس موجوده حتى يومنا، واذكر قديما انه كان يقام في آخر الليل وليمة أخرى يجتمع عليها الجميع وتسمى (غبقة)، يقدم فيها مجبوس الرز والسمك، إلا ان هذه العادة اندثرت).

الحي أساس الموائد

ويذكر عبيد محمد المطروشي، نائب الأمين العام لهيئة الأعمال الخيرية بعجمان: (إن اهالي الفريج كانوا سابقا يتفقون من اليوم الأول لرمضان على مجلس معين في الفريج يجتمعون فيه لتناول طعام الإفطار، وكان الجميع يحضرون معهم الطعام داعين إليه رجال الحي والضيوف وعابري السبيل، واذكر من هذه المجالس مجلس راشد بن حمضه، مؤسس أول اذاعة في عجمان.

أما بعد صلاة التراويح فكانوا يجتمعون في المجالس الرمضانية التي يسميها البعض (الحضر)، وأحيانا في المساجد ليتناقشوا أمورهم وليستمعوا للذكر الحكيم، وبعد الانتهاء منها يجتمعون على مائدة واحدة يحضرونها من بيوتهم). ويضيف: (إلى جانب هذه الموائد والمجالس كان للحكام والشيوخ موائد للإفطار يدعون إليها الأهالي الذين طالما ارتبطوا بمجلس الحاكم، حيث كانوا يرتادونه للسلام عليه وتهنئته بحلول الشهر الكريم).

شكل جديد

ويشير عبد الله عبد الرحمن العوضي، مساعد الأمين العام للشؤون الإدارية والمالية في هيئة الأعمال الخيرية، إلى أنه رغم الطفرة الاقتصادية التي شهدتها الإمارات إلا أن الأهالي بقوا محافظين على عاداتهم وكرمهم، وأصبح حب الخير موجودا فيهم بالفطرة التي نشأوا عليها، وبلا شك أنه كان لكلمات الشيخ زايد آل نهيان رحمه الله وحبه للخير أثر كبير في نفوسهم)، ويضيف: (انطلقت فكرة موائد الرحمن بالأساس من الفريج، حيث كان سكانه يجتمعون على مائدة واحدة طوال الشهر الكريم، ومن ثم انتقلت إلى المساجد ونلاحظ إنه كان في كل فريج أكثر من مسجد، وكان الأهالي يخرجون طعامهم إليه حيث يلتقي الجميع فيه، ومع التطور تنبهت الجمعيات الخيرية إلى هذه الموائد ورأت فيها مشاريع تكافل أهليه.

حيث يزداد روادها يوما بعد يوم، ومن هنا بدأت فكرة دعمها وتوفيرها في كل مكان، وقد أعانت الحكومة الهيئات في ذلك، لتأخذ شكلا آخر غير المتعارف عليه، حيث انشأت لها الخيم المستقله عن المساجد، وبالنسبة لهيئة الأعمال الخيرية فقد بدأت عملها بهذا المجال منذ تأسيسها في منتصف الثمانينات، وانطلقت فيها من المساجد، حينها كان عدد الوجبات المقدمة في كل مسجد لا يتجاوز ال 50 وجبة، ومن ثم ارتفع العدد ليصل الى 100.

وحاليا تعتبر مؤسسة الشيخ خليفة بن زايد من رواد مقيمي موائد الرحمن في داخل وخارج الدولة، وحاليا نقوم بتنفيذ احد مشروعاتهم حيث نقدم يوميا نحو 3800 وجبة في عجمان وضواحيها، بالإضافة إلى مكرمة صاحب السمو حاكم عجمان التي تقدم يوميا 2000 وجبة، وتعداهم الأمر ليصل إلى المحسنين وكبار التجار وحتى الشركات الخاصة التي تقيم موائد الرحمن على مدار الشهر الكريم).

ويذكر لنا سالم حسن الطلاع الذي يشرف منذ 7 سنوات على إحدى موائد الرحمن التي تقام في القوز الصناعية الثالثه بدبي، أن موائد الرحمن بدبي كانت تقام باستمرار في أواخر السبعينات في مسجد القاز الذي يقع بالقرب من مجمع الوزارات القديم، وكان يدعمها بعض الشيوخ وكبار التجار، وسرعان ما اتسعت لتقام في منطقة ند الشبا ومنها انتقلت الى مختلف مناطق دبي، وحاليا نقدم يوميا ما بين 1700- 2000 وجبة لرواد المسجد).

إضاءة

نفذت هيئة الأعمال الخيرية خلال شهر رمضان الماضي مشاريع افطار صائم من خلال 28 موقعا في كل من عجمان وأم القيوين ورأس الخيمة، حيث شمل البرنامج تقديم 2700 وجبة يوميا، واشرفت على تنفيذ المشروع لصالح مؤسسة حميد بن راشد النعيمي للأعمال الخيرية داخل عجمان عبر 5 مساجد بواقع 1600 وجبة يوميا، كما اشرفت على تنفيذ مشروع افطار صائم الخاص بديوان صاحب السمو رئيس الدولة في عجمان وضواحيها بواقع 1500 وجبة يوميا، وقدرت تكلفة المشروع بنحو 275,228,1 درهما.

غسان خروب

Email