Academia.eduAcademia.edu
تطور الفكر الوحدوي عند محب الدين الخطيب دراسة في افتتاحيات جريدة العاصمة ومجلة الفتح أ.د. مهند احمد مبيضين* ملخص تعرض هذه الدراسة إلى مفهوم الوحدة العربية عند محب الدين الخطيب (1303هـ /1886م- 1389هـ /1969م) أحد رموز الحركة العربية خلال النصف الأول من القرن العشرين، والذي بدأ حياته في دمشق، وانتهى في القاهرة، وتنقل بين اسطنبول والحجاز، بفعل المواقف السياسية التي تبناها وطبيعة المهام التي كان ينهض بها بين كاتب أو رئيس تحرير لمجلة أو جريدة، أو من خلال عضويته في الأحزاب والجمعيات السياسية. وتحاول الدراسة إلى جانب التعريف بشخصيته، البحث في تطور الفكر الوحدوي عنده والتحولات الفكرية والسياسية التي عاشها وعبر عنها في كتاباته. تعتمد الدراسة افتتاحيات جريدة العاصمة التي صدرت في عهد الحكومة العربية في دمشق، ومجلة الفتح التي أسسها الخطيب في القاهرة، مصدراً لفحص التحولات الفكر الوحدوي عند الخطيب، وتسعى إلى تسليط الضوء على البيئة السياسية والفكرية التي عاشها، وإسهاماته في تأسيس الجمعيات السياسية والفكرية، وتنتهي الدراسة بتحليل لخطاب الوحدة ومفاهيمها. أستاذ التاريخ المساعد، كلية الآداب والفنون/ جامعة فيلادلفيا/ الأردن The Development of the Unitary Thinking of Muhibul – Deen Al-Khatib A study on the Editorials of Al-Asima Newspaper and Al-Fath Journal Abstract This study tackles the concept of Arab unity in the perspective of Muhibul-Deen Al-Khatib (1886-1969). He was one of the most prominent figures of the Arab movement during the first half of the twentieth century, who started his life in Damascus to end up in Cairo, traveling from Istanbul to Hijaz. This travel came as a result of the political standings that he held and the nature of the tasks he embarked on as a writer or an editor-in-chief of a paper or a journal, or during his membership in political societies and parties. The study also attempts to shed a light on Al-Khatib personality, the development of his unitary thinking and the political and intellectual transformations that he experienced and expressed in his writings. The study relays on the editorials of Al-Asimah newspaper that was issued in the era of the Arab Government in Damascus, in addition to Al-Fath journal, established by Al-Khatib in Cairo. The study of these editorials is meant to examine the phases and changes of the unitary thinking of Al-Khatib, and tend to enlighten the political and intellectual environment in which he lived, beside his contributions in establishing political and intellectual societies. The study ends up with an analysis of the discourse and conceptions of unity *Assistant Professor, Faculty of Arts, Philadelphia University, Amman مدخل مع بداية الربع الأخير من القرن التاسع عشر، قامت الدولة العثمانية بإجراءات عديدة، كانت تستهدف إصلاح نظم الدولة، والعودة بها إلى ما كانت عليه إبان مرحلة فتوحاتها الأولى. ومن أجل ذلك بدأت إصلاحاتها في موضوع الجيش والإدارة، وتفاوتت آثار تلك الإصلاحات للولايات العربية من ولاية لأخرى، وقد ساعد على تلك الإصلاحات وجود بعض من الولاة المتحمسين لها. مما أدى إلى تعميق الشعور العثماني الذي بدأ يُشكل جزءاً من المحاولة العثمانية لاستدراك آخر أنفاس الدولة العظمى التي بدأ نجمها يأفل آنذاك، كما كانت الإصلاحات تستهدف تحسين أوضاع غير المسلمين في الدولة، وبالرغم من نجاح الدولة في إدارة مِللها بعض الوقت، إلاّ أنها فشلت في إدارة القوميات الراغبة في زمن الإصلاح بالاستقلال والوحدة. وإذا كانت الوحدة لم تتبلور في مفهومها وشكلها، إلاّ أن اللافت في أمر صياغتها، أنها جاءت وليدة أفكار مثقفي مرحلة التنظيمات العثمانية المتأثرة بأفكار الدولة الوطنية، ومفاهيم الديمقراطية ومؤسسات الحكم الغربية، كما أن تلك الأفكار كانت قد نمت أو ولدت في بُنيات لمدن محلية، ما لبثت أن ازدهرت في المركز العثماني "اسطنبول". لم يكن العرب آنذاك راغبين بالانفصال عن حكم دولة الدين والدنيا، ويبدو أنه لم تتشكل لديهم ثقافة انفصال إن جاز التعبير، لكنهم أدركوا معنى أن يُحكموا بإدارة عربية وبمركزية أقل، وكان أملهم أن ينهضوا بلغتهم. لتأتي فيما بعد الحرب العالمية الأولى التي اجبرتهم على الانفصال وإعلان الحرب ضد الدولة العثمانية، وكان ذلك بعد أن تنامى الوعي العربي تجاه الرغبة بالاستقلال عن الحكم العثماني. تشكل ذلك الوعي بفعل التقاء رافدين، الأول: نظام شريفي نما وترعرع في الحجاز، والذي تمثل بعمل الخطيب مع الشريف حسين بن علي مع بدايات الثورة العربية وإشرافه على صحيفة القبلة( . اعتبرت صحيفة القبلة الصّحيفة الرّسميّة للثورة العربية الكبرى، تأسست بأمرٍ من الشّريف حسين بن علي عام 1916م وتوقّفت في عهد عبد العزيز بن سعود؛ انظر، محمّد صالحة وسميح أبو مغلي، تاريخ الصّحافة العربيّة نشأتها وتطوّرها، عمّان، دار بيكار، د.ت، ص150.)، واستمر هذا التعاون فيما بعد بعمله مع حكومة الأمير فيصل بن الحسين في دمشق حين كان الخطيب واحداً من مجلس مشاوري فيصل بن الحسين بالإضافة إلى توليه تحرير جريد العاصمة( . صدرت جريدة العاصمة عن الحكومة الفيصليّة في دمشق عام 1337هـ / 1919م، وكانت هي الجريدة النّاطقة باسم الحكومة؛ انظر، هاشم عثمّان، الصّحافة السّوريّة ماضيها وحاضرها، 1877- 1970م، دمشق، منشورات وزارة الثّقافة، 1997م، ص 55. وصدرت العاصمة في مجلدين ضمن مشروع الوثائق الهاشمية، اشراف محمد عدنان البخيت، جامعة آل البيت 1997م، المطبعة الهاشمية.) وكان الشيخ محمد كامل القصاب( . نشأ محمّد كامل القصّاب (1290 ـ 1372هـ / 1873 ـ 1954م) كواحد من زعماء الحركة الاستقلاليّة في سوريّة، أنشأ المدرسة الكامليّة، وكان من أعضاء العربيّة الفتاة؛ انظر: خير الدّين الزّركلي، الأعلام، 7 13؛ ومحمد مطيع الحافظ ونزار أباظة، تاريخ علماء دمشق في القرن الرابع عشر الهجري، دمشق، دار الفكر،1986،ج2، ص 657.) مع الخطيب في هذه التجربة( . حول النظام الشريفي والأسرة الهاشمية أنظر: سيّار الجميل، تكوين العرب الحديث، منشورات دار الشروق، عمان،ط1، 1996، ص1150-12. ). والثاني مثلّه مجموعة من المتنورين والمثقفين والأعيان العرب والبرجوازيين، الذين شكلوا الجمعيات السرية والأحزاب التي صاغت الفكرة العربية وبلورتها. وكانت حركة الأعيان قد بدأت مع اندلاع الحرب الروسية –العثمانية (1877- 1887) حيث طرحت خسائر الحرب وهزائم السلطنة على يد روسيا كثيراً من التساؤلات عند الأعيان حول سياسة السلطان عبدالحميد وجدواها، ومن الذين تزعموا حركة الأعيان آنذاك أحمد باشا الصلح(1810-1893م) ومحمود منح الصلح(1856-1920م) والشيخ احمد عباس الأزهري(1853-1927) والسيد محمد الأمين بن علي الحسيني(1813-1880م) والشيخ علي عسيران(ت:1321هـ/1903م) وغيرهم( . حول حركة الأعيان المسلمين وروادها أنظر: عبدالرؤوف سنو، النزعات الكيانية الإسلامية في الدولة العثمانية، بيسان للنشر والتوزيع، بيروت، ط1،1998، ص46.). وإلى جانب هؤلاء كان هناك سليم سركيس وبطرس البستاني وساطع الحصري وشكيب أرسلان وصلاح الدين القاسمي ورفيق العظم ومحب الدين الخطيب ومحمد رشيد رضا وغيرهم ممن عاصروا الاستبداد في عهد السلطان عبدالحميد الذي استمر نحو ثلث قرن(1876-1909). وكانت دعوتهم واضحة نحو الإصلاح والدستور وكف الفساد وإعلاء شأن العروبة( . نقولا زياده، العروبة في ميزان القومية، منشورا الدار الأهلية ،بيروت، سلسلة الأعمال الكاملة، ط1، 2002، ج11، ص 86-91.). من بين التيار الثاني، برز محب الدين الخطيب الدمشقي الأصل والمولد، الذي راح يبحث عن واجب الشرف المناط بهذه الأمة وأراد لها الوحدة، وكانت دعوته في البداية لا تخلو من رغبة جامحة بوحدة عربية على أساس قومي، لذلك وجد ما يمثل أفكاره في حركة الثورة العربية وحكومتها في دمشق، في حين نجده يتحول بعد إخفاق مشروع النهوض العربي بفعل المؤامرات الغربية في أعقاب معركة ميسلون، إلى الدعوة لفكرة الوحدة الإسلامية وجامعتها، وقد ظهر هذا الأمر واضحاً لدى عدد من المفكرين، الذين يتبنون مثل هذه الآراء. ولتوثيق هذه التجربة التي قامها بها الخطيب والمناقلة التي أجراها، فقد اعتمدنا جريدتي العاصمة والفتح مصدرين أساسين، الأولى بما مثلته افتتاحيتها من تجربة واعية لظروف المرحلة التي عاشها الخطيب ودعا منها لوحدة عربية، وبما اختزنته من تجربة إدارية وتدابير وطنية لقيام الدولة الحديثة في سوريا، والثانية مجلة الفتح؛ لأن الخطيب عبر فيها عن مخاوفه تجاه واقع الأمة الإسلامية، واستمر بواسطتها في الدفاع عن قضاياها المصيرية مركزا على الرابطة الإسلاميةكسبيل للوحدة. I. نشأة محب الدين الخطيب ولد محب الدين الخطيب في حي القيمرية( . حي القيمريّة في دمشق، من الأحياء العريقة، ويقع شرقي الجامع الأمويّ. تنسب تسميته إلى المدرسة القيمريّة الّتي أنشأها فيه الأمير ناصر الدّين الحسين أبو المعالي القيمري الكردي، أحد قادة الملك النّاصر يوسف الأيوبي الثّاني(ت: 665هـ/1226م) وكانت قبل ذلك سوقاً يُعرف بالحريميين، وعمر الأمير أبو المعالي محلات وأقف على المدرسة أوقافا هائلة؛ ويقول أكرم العلبي أن الحي سمي بالقيمرية لوجود الكنيسة المريمية فيه، وهي المسماة باليوناية Camar. انظر: قتيبة الشّهابي، معجم دمشق التّاريخي، دمشق، منشورات وزارة الثّقافة، 1999م ،ج1، ص221؛ أكرم العلبي، خطط دمشق، ط1، جار الطباع، دمشق، 1989، ص156.) بمدينة دمشق، في شهر شوّال من عام 1303هـ الموافق لآخر تموز من عام 1886م( . محب الدّين الخطيب, حياته بقلمه, دمشق, دون تاريخ، مطبوعات جمعيّة التّمدن.). ودرس في مدارس دمشق، وكان أحد طلاب مكتب عنبر( . بناه يوسف أفندي عنبر وهو من أصل يهودي عام 1305هـ/ 1887م، وهو أول مدرسة عالية حديثة في دمشق، انظر للمزيد عنه في: فريد جحا، مكتب عنبر، مجلة الحوليات السورية، العدد 23، ص 403؛ العلبي، خطط، 275.)، ولازم دروس العلماء، وأشهرهم الشّيخ طاهر الجزائري( . طاهر الجزائري. هو طاهر بن صالح بن أحمد بن موهوب السّمعوني الجزائري، ولد سنة 1268هـ/ 1852م هاجر والدّه إلى دمشق سنة 1263هـ/1846م وكان من بيت علم وشرف، أتقن العربيّة والفارسيّة والتّركيّة والفرنسيّة والسّريانيّة والعبرانيّة والحبشيّة والبربريّة. أولع باقتناء المخطوطات، وأنشأ المكتبة الظّاهريّة، والمكتبة الخالدّيّة في القدس. عُيّن مفتّشاً عامّاً للمدارس الابتدائيّة وذلك سنة 1285هـ/1868م فألّف كتب التّدريس للصفوف الابتدائيّة في جميع الفروع. من مؤلفّاته مدخل الطّلاب إلى علم الحساب، ورسالة في النّحو، والتّبيان لبعض المباحث المتعلّقة بالقرآن..الخ. يعدّ من ألمع علماء القرن التّاسع عشر، توفّي 1338هـ / 1920م؛ انظر: خير الدّين الزّركلي، الأعلام بيروت، دار العلم للملايين، ط10، بيروت1992،ج3، ص222؛ محمّد كرد علي، المعاصرون، دار صادر، ط2، بيروت،1993، ص 268؛ ومحمد كرد علي، كنوز الأجداد، دار الفكر، ط2، دمشق1984، ص 9.)، الّذي كانت تربطه علاقة صداقة بالشيخ أبي الفتح الخطيب( . أبو الفتح الخطيب بن عبد القادر الخطيب، ولد سنة 1250 هـ/ 1834م. أخذ عن بعض علماء عصره مثل الشّيخ حسن الشّطي, وتصدّر للتّدريس والوعظ في الجامع الأمويّ، عُيّن أمينا لدار الكتب الظّاهريّة، وتولّى الخطابة والإمامة، وقام باختصار بعض أجزاء تاريخ ابن عساكر، توفّي سنة 1314 / 1897م. انظر: عبد العزيز الخطيب، غُرَر الشّام في تراجم آل الخطيب الحسنيّة ومعاصريهم، دمشق، دار حسان،1996م ج1، ص562؛ خير الدّين الزّركلي، الأعلام ج 6، ص213.)، والد محب الدّين، حيث عمل على تعيينه مكان والده في أمانة دار الكتب الظّاهريّة( . أنشئت كمدرسة مشتركة بين الشافعية والحنفية وتنسب إلى الملك الظاهر بيبرس وكانت أصلا دار للأمير احمد بن الحسين العقيقي واستمرت مدرسة طوال العهد المملوكي، إلى أن امر والي دمشق سنة 1295هـ1878م بجمع كتب مدارس دمشق ووضعها فيها بهمة الشّيخ طاهر الجزائري، وهي دار عامّة للكتب. وكانت تعدّ من المكتبات الهامّة إلى وقت قريب، غير أنّ كثيراً من محتوياتها نُقلت إلى مكتبة الأسد الوطنيّة بعد ذلك؛ انظر، محمّد كرد علي، كنوز الأجداد، ص9، أكرم العلبي، خطط دمشق، ص137-138.)، إلى جانب إتاحة الفرصة أمامه لمتابعة الدّراسة. وكان للشّيخ طاهر أثر كبير في حياة محب الدّين، فمنه تعلّم حبّ العرب والعروبة، ومنه كما قال:"عرف عروبته وإسلامه، ومنه عرف أنّ المعدن الصّدئ الآن الّذي برأ اللّه منه في الدّهر الأوّل أصول العروبة، ثمّ تخيّرها ظئراً للإسلام، إنّما هو معدن كريم، لم يبرأ اللّه أمّة في الأرض تدانيه في أصالته.."( . أحمد محرّم، ديوان مجد الإسلام، القاهرة، دار العروبة،1963م، المقدّمة، بقلم السّيّد محب الدّين الخطيب،ص 6.). وعلى ذلك نشأ الخطيب وانتمى لأسرة كانت من أهم عائلات دمشق المشهورة بالعلم، وعليها وظيفة الخطابة في الجامع الأموي.( . كانت بداية تولي أسرة الخطيب منصب الخطابة في الجامع الأموي في دمشق، عام 1287هـ/ 1870م، ويعد ذلك من أهم التغيرات التي طرأت على منصب الخطابة في مرحلة التنظيمات، للمزيد انظر: Linda Schilcher, Families In Politics Damascene Factions and Estates of the 18th and 19th Centuries, Berliner, 1985.) أما العصر والزمان، فقد كان محب الدين واحداً من رموز الفكرة العربية، الذين نشطوا خلال مرحلة التنظيمات العثمانية. وما رافقها من إصلاح إداري وسياسي بدأ بإعلان المشروطية الأولى عام 1876م( . حول مرحلة التنظيمات في دمشق انظر: Schilcher, L., Families, p50، وعن التنظيمات العثمانية انظر: محمود رئيف أفندي، التنظيمات العثمانية، تحقيق خالد زيادة، دار الطليعة، بيروت، 1989.)، والتي أيدها بعض أعيان دمشق وعلمائها أمثال الشيخ طاهر الجزائري (ت: 1338هـ/ 1920م)( . من علماء دمشق المشهورين نهاية القرن 13هـ/ 19م، من أصل جزائري، انظر:الزركلي، الأعلام،ج4، ص-ص 221-222.)، الذي تأثر به عدد من الشباب العربي في دمشق، لما كان له من دور في التشجيع على مقاومة التبشير والاستعمار. وبعدها انتقل إلى اسطنبول لإكمال دراسته في الآداب والحقوق عام 1905م، وأثناء وجوده هناك التقى بعدد من الطلبة الذين لاحظ قلة معرفتهم باللغة العربية، فبدأ يشجعهم على دراستها بوصف ذلك جزءاً من عملهم من أجل النهضة المنشودة، لذا اقترح على المشتركين بحلقاته تأسيس "جمعية النهضة العربية" خطوة أولى تجاه النهضة المرجوة.( . محمد عبد الرحمن برج، دراسات في التاريخ العربي الحديث والمعاصر، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، د.ط، 1974، ص 114-116.) وبعد ذلك عاد إلى دمشق، ثم تقلد عملاً في القنصلية البريطانية في عدن، مروراً بالقاهرة التي التقى فيها عدداً من السوريين أمثال رشيد رضا، وكان يدعو في رحلته تلك إلى نهضة العرب. ثم رأى أنه لا بد من العودة إلى دمشق، ولكن عدم اعتراف الحكومة العثمانية بتأسيس جمعية تحمل اسم "النهضة العربية" كان سبباً في حمله على العودة إلى الأستانة، وإكماله لدراسة الحقوق. وهناك بدأ يُـقنع زملاءه بتأسيس نادٍ للشباب العربي، فبرزت فكرة النادي الذي يقول عنه مصطفى الشهابي إنه: "عقد في دار يسكنها محب الدين الخطيب والدكتور أحمد قدري"( . مصطفى الشهابي، محاضرات عن القومية العربية، القاهرة، معهد الدراسات العربية العالية، جامعة الدول العربية، 1965، ص 70.)، وقد كان للمنتدى مجلة خاصة به، ولكن يبدو أن سفر بعض الشباب العربي وموقف الحكومة التركية جعله يؤول للإغلاق في عام 1915م( . أحمد قدري، مذكراتي عن الثورة العربية، 1375هـ/ 1956م، وزارة الثقافة، دمشق، ص 11.). لا يكتمل الحديث عن تطور الوعي السياسي لدى محب الدين الخطيب دون التوقف عند عمله في الصحافة، والذي شكل عاملاً أساسياً في تكوين وعيه وبلورة اتجاهاته الفكرية، إذ إنه عمل في الصحافة في سن مبكّرة، حين بدأ في صحيفة ثمرات الفنون( . صدرت صحيفة ثمرات الفنون عام 1885م، واستمرّت إلى عام 1908م، لصاحبها عبد القادر القباني، ويحرّرها أحمد حسن طبارة في بيروت. انظر محمّد منير سعد الدّين، الإعلام، بيروت, دار بيروت المحروسة،1991، ص116.)وفي جريدة المؤيّد( . صدرت صحيفة المؤيّد في أول ديسمبر 1889م، ودامت إلى سنة 1913م، واعتبرت جريدة وطنيّة، ووجدت تأييداً ساحقاً، فقد عبّرت عن آمال الشّعب باستقلال مصر، وطلب الجلاء من الإنكليز، ونشرت مقالات لكبار الكتّاب؛ انظر: أنور الجندي، الصّحافة السّياسيّة في مصر منذ نشأتها إلى الحرب العالميّة الثّانية، القاهرة، مطبعة الرّسالة،1962م، ص،159؛ وسامي عبد العزيز الكومي، الصّحافة الإسلاميّة في مصر في القرن التّاسع عشر، المنصورة، دار الوفاء، 1992، ص44.) لصاحبها علي يوسف( . ولد علي يوسف عام 1863م، تلقّى تعليمه في الأزهر، وعمل في الصّحافة، حيث أصدر مجلّة الآداب عام 1885م، ثمّ المؤيّد عام 1889م. توفّي في 17 نيسان 1916م. انظر: مصطفى نجيب، أعلام مصر في القرن العشرين، القاهرة، وكالة أنباء الشّرق الأوسط1996،ص 347؛ وأنور الجندي، الصّحافة السّياسيّة في مصر، ص 166- 167، وعمر رضا كحّالة، معجم المؤلفين، بيروت، دار إحياء التّراث العربيّ، د.ت، ج 7، ص7.). ومع قيام الثّورة العربيّة الكبرى سنة 1916م, سافر محب الدّين الخطيب إلى الحجاز بطلبٍ من الشّريف حسين شريف مكّة، وذلك من أجل تأسيس جريدة القبلة، فقام بذلك وتولّى رئاسة تحريرها، وأشرف على المطبعة الأميريّة لحكومة الحجاز طوال مدّة إقامته في الحجاز، والّتي امتدّت ثلاث سنوات، وكان الشّريف حسين يستشيره، هو وصديقه محمّد كامل القصّاب بصفتهما من رجال جمعيّة العربيّة الفتاة، في أكثر أموره الّتي كانت تتعلّق بالخارج. بعد انتصار الثورة العربية وخروج الأتراك عاد الخطيب إلى دمشق، بعد أن أعلن فيصل بن الحسين قيام الحكومة العربية، وتولّى تحرير جريدة العاصمة التي كنت تنطق باسم الحكومة العربية، ثم قام بتأسيس مجلّة الزّهراء، وهي مجلّة أدبيّة اجتماعيّة شهريّة، صدر العدد الأوّل منها بتاريخ15محرّم من عام1343هـ, الموافق لآب من عام 1924م، واستمرّت هذه المجلّة في الصّدور خمس سنوات. أمّا المجلّة الّتي تعدّ الأشهر بين المجلات والجرائد الّتي عمل بها الخطيب، أو ساهم بإنشائها، فهي الفتح، الّتي أسسها بتاريخ 22 ذي الحجة من عام 1345هـ، الموافق لأيّار من عام 1926م. والتي تعدّ من أهمّ المجلات الإسلاميّة الّتي ظهرت في ذلك الوقت، واستمرّت بالصّدور إلى آخر سنة 1367هـ، الموافق لتشرين الثّاني من عام 1948م، ولاقت نجاحاً كبيراً، واهتماماً بالغاً من كافّة فئات المثقّفين والشّباب في كلّ البلاد الّتي كانت تصلها. ترأس محب الدّين تحرير مجلّة "الأزهر" ( . أسس مجلة الأزهر حسن رفقي وإبراهيم مصطفى عام 1899م وهي المجلّة الّتي استأجرها وليم ولكوكس فيما بعد لنشر دعوته إلى العاميّة، ثمّ تركها؛ انظر: محمّد منير سعد الدّين، الإعلام،ص 117.) مدّةً تجاوزت ست سنوات، وكان ذلك فيما بين 1952- 1958م( . أنور الجندي، مفكّرون وأدباء من خلال آثارهم، بيروت، دار الإرشاد،1967، ص204.)، وتولّى رئاسة تحرير مجلات أخرى فقد عمل في رئاسة القسم الإسلاميّ، في الصّحيفة النّاطقة باسم جماعة الإخوان، وبقي في رئاستها مدّة تزيد عن ثلاث سنوات، وكانت تسمّى جريدة "الإخوان المسلمون" اليوميّة( . هي أوّل صحيفة يصدرها الإخوان وقد صدر العدد الأوّل يوم الخميس 21 صفر من عام 1352هـ الموافق 15يونيو من عام 1933م، وظلّت تصدر لمدّة خمس سنوات ناطقة باسم الإخوان؛ انظر: محمّد منصور محمود هيبة، الصّحافة الإسلاميّة في مصر بين عبد النّاصر والسّادات 1952ـ 1981م، المنصورة، دار الوفاء,1990، ص76.). وتولّى رئاسة تحرير مجلّة "المنهاج"( . صدر العدد الأول من المنهاج في أول محرّم 1344 هـ الموافق 1925م وقد أصدرها السّيّد ابراهيم أطفيش، وكانت مجلّة إسلاميّة وطنيّة، صدرت في القاهرة، واستمرّت مدّة سبع سنوات؛ انظر: محمّد ناصر، الشّيخ ابراهيم أطفيش في جهاده الإسلاميّ، القرارة، جمعيّة التّراث، القاهرة،1991، ص122.)، وحوّلها من مجلّة شهريّة إلى جريدة أسبوعيّة. لم يقتصر الخطيب على عمله الصحفي في التحرير فقط، فموقع رئيس التحرير كان يفرض عليه كتابة افتتاحية المجلات أو الصحف التي رٍأس تحريرها، إلى جانب ما كتبه في كثير من المجلات الأخرى من مقالات كانت تعبّر عن أفكاره ومنهجه الإسلاميّ، ويبيّن فيها مكانة العروبة والإسلام، فكان منها: مجلّة "المقتطف"( . تعتبر مجلة المقتطف أقدم مجلّة علميّة أدبيّة في العالم العربيّ، أنشأها في بيروت يعقوب صرّوف وفارس نمر سنة 1876م وانتقلا بها عام 1884م إلى القاهرة لشدة الرّقابة والضّغط في بيروت، واحتجبت عن الصّدور سنة 1952م. انظر أديب مروّة، الصّحافة العربيّة نشأتها وتطوّرها، بيروت، دار مكتبة الحياة،1961، ص 178.)، ومجلّة "التّمدّن الإسلاميّ"( . صدر العدد الأول من التّمدن الإسلاميّ في ربي الأوّل من عام 1354هـ الموافق لعام 1935م وكانت تصدرها جمعيّة التّمدن الإسلاميّ بدمشق، وكان رئيس تحريرها أحمد مظهر العظمة؛ انظر, جوزيف إلياس، تطوّر الصّحافة السّوريّة في مئة عام 1865 ـ 1965م, بيروت، دار النّضال،1983، ج2، ص 428.). وفي مصر أنشأ الخطيب مع صديقه عبد الفتاح قتلان( . عبد الفتاح قتلان، دمشقي الأصل رحل إلى مصر، وأصدر بها المجلّة السّلفيّة، وأسس فيها بالاشتراك مع محب الدّين الخطيب المطبعة السّلفيّة والمكتبة السّلفيّة. من آثاره: شواهد لسان العرب، وفهرس المؤلّفين بالظّاهريّة، توفّي في القاهرة سنة 1350هـ / 1931م. انظر: كحّالة، معجم، ج5، ص280.)سنة 1909م المطبعة السّلفيّة الّتي كانت من أهمّ وأكبر دور النّشر آنذاك، وكان للمطبعة السّلفيّة دور عظيم في نشر التّراث، واهتمّت بصورة خاصّة بنشر كتب التّراث وتحقيقها. وإلى جانب تأسيسه لجمعية النّهضة العربية – كما أشرنا- في ذي القعدة 1324هـ/ أيلول 1906م، انتسب إلى كثير من الجمعيّات السّريّة، الّتي انتشرت في ذلك الوقت مطالبةً بحقوق العرب من الترك. وفي مصر، التقى من جديد الشيخ محمد رشيد رضا( . حول محمد رشيد رضا وحياته انظر: شكيب أرسلان، السيد محمد رشيد رضا أو إخاء أربعين سنة، دمشق، مطبعة ابن زيدون، 1937. وانظر كذلك: أحمد فهد الشوابكة، محمد رشيد رضا ودوره في الحياة الفكرية والسياسية، دار عمار، 1979، ص-ص: 13-38.)، وبرز دوره بشكل ملحوظ في صحيفة "المؤيد"، التي عمل بوساطتها على نشر فكره وآرائه، كما استغلها في الدعاية لحزب اللامركزية، الذي طبع قانونه الداخلي وصار فيما بعد سكرتيرا ثانيا في لجنته الإدارية( . برج، دراسات، ص 112.)، وكان من أهم أهدافه أن تأخذ الدولة باللامركزية في إدارة ولاياتها العربية( . بتاريخ 12 يناير 1913 عقد اجتماع اللجنة العليا لحزب اللامركزية الإدارية العثماني في القاهرة، وجرى اختيار محب الدين الخطيب سكرتيرا ثانيا للحزب ومن ابرز قيادات الحزب إلى جانب الخطيب رفيق العظم والشّيخ رشيد رضا، والشّيخ عبد الحميد الزّهراوي، وداود بركات، واسكندر عمون، وغيرهم. حول تجربة محب الدين الخطيب السياسية في مصر يمكن الرجوع إلى دراسة سهيلة الريماوي على أوراقه ودراستها الموسومة بـ: صفحات من تاريخ الجمعيات في بلاد الشام 1908-1918 في:ناجي علوش الحركة القومية العربية في مائة عام، عمانـ دار الشروق،1996، ص95-123. وانظر، محمّد عزة دروزة، حول الحركة العربيّة الحديثة، بيروت، المكتبة العصريّة،1949، ص 37؛ وأدهم الجندي، شهداء الحرب العالميّة الكبرى، دمشق، مطبعة العروبة،1960، ص16.). واشترك في جمعيات عديدة ومنها: المنتدى الأدبي( . تأسس المنتدى الأدبي في استانبول على يد مجموعة من الطّلاب العرب، الّذين كانوا يدرسون في الأستانة، وانتخب عبد الكريم الخليل رئيساً له، وكان لهذا النّادي اتصال بالحركات القوميّة العربيّة؛ انظر: مصطفى الشّهابي، محاضرات القوميّة العربيّة، تأريخها وقوامها ومراميها، القاهرة، جامعة الدّول العربيّة، معهد الدّراسات العربيّة العاليّة،1959، ص70 ـ 71.)، وجمعيّة العربيّة الفتاة ( . تأسّست عام 1909م وقد أسّسها بعض الشّبان العرب الّذين كانوا يواصلون دراستهم في باريس. وقد حدّدوا أنّ غايتها النّهوض بالأمّة العربيّة إلى مصافّ الأمم الحيّة. وقد كانت هذه الجمعيّة على غاية من التّنظيم والسّرّيّة، وبالرّغم من ذلك فقد عملت على الاتصال بالجمعيّات والأحزاب العربيّة، ومهّدت لعقد المؤتمر العربيّ الأوّل في باريس سنة 1913م. وكان محب الدّين العضو رقم ثمان وعشرين فيها؛ انظر: خيريّة قاسميّة، الحكومة العربيّة في دمشق ما بين 1918ـ 1920، القاهرة، دار المعارف، م1971، ص19. وانظر كذلك محمد عدنان البخيت، جمعية العربية الفتاة، النظام الأساسي، مجلة الندوة، المجلد 3، العدد 1، ذ القعدة 1411هـ/ أيار 1991.)، وشارك في المؤتمر العربيّ الأوّل في باريس الّذي عُقد بالتّعاون بين الجمعيّة العربيّة الفتاة، وحزب اللامركزيّة الإداريّة العثمّاني، والجمعيّات الإصلاحيّة في البلاد العثمانيّة. وكان الخطيب الواسطة الّتي جمعت بين الجمعيّة العربيّة الفتاة وحزب اللامركزيّة، وقد تولّى جمع أعمال هذا المؤتمر في كتاب نشره في القاهرة سنة 1913م( . محب الدّين الخطيب, حياته بقلمه، 55.). توفي محب الدّين الخطيب يوم 22 شوّال سنة 1389هـ الموافق 30 كانون الأوّل من عام 1969م، بالقاهرة بعد أن أمضى حياة مليئة بالعمل والنّشاط. تاركا وراءه كثيراً من الكتب والمؤلّفات والتحقيقات، منها: الحديقة، ومع الرعيل الأول، والأزهر ماضيه وحاضرهن وطاغور، واتجاه الموجات البشرية وجعفر العسكري، ومختصر التحفة الإثنا عشرية (تحقيق) والعواصم من القواصم(تحقيق)، والخطوط العريضة للأسس الّتي قام عليها دين الشّيعة، وغيرها من الكتب والمقالات والتحقيقات. II. الفكر الوحدوي عند محب الدين الخطيب حتى عام 1916. يجد المتتبع لسيرة محب الدين الخطيب أنه تلقى ثقافة سياسية واسعة، فقد تنقل بين عواصم الثقافة العربية والمركز العثماني، وفرت له صلاته وعلاقاته مع أقرانه من النخبة العربية ثقافة سياسية واسعة، جعلته يسهم بشكل مباشر في الجمعيات والمنتديات والأحزاب السياسية التي نشطت قبل عام 1916. يقول أحمد قدري في مذكراته: "وكنا نهدف من إطلاق اسم الفتاة على جمعيتنا، اسم (الجمعية العربية الفتاة)، ولكننا خشينا أن يلفت هذا الاسم أنظار الاتحاديين فيقع تحت طائلة طغيانهم وكان مركز الجمعية في باريس..."( . قدري، مذكراتي، ص 12.)، ويبدو أن الخطيب كان العضو المعتمد لهذه الجمعية في مصر، والتي كانت تهدف إلى: "النهوض بالأمة العربية إلى مصاف الأمم الحية بالدرجة الأولى".( . البخيت، جمعية العربية الفتاة، مجلة الندوة، المجلد3، العدد1، ذ القعدة 1411هـ/ أيار 1991، ص 42.) ويبدو أنه لعب دوراً مهماً في هذه الجمعية، ويظهر ذلك من احتفاظه بمجموعة كبيرة من الوثائق الخاصة بها، كما حملت شروط الانضمام إليها دلالات جادة من أجل السعي للنهضة. إذ يشترط في العضو أن "يكون عربياً مخلصاً لأمته معروفاً بالأخلاق الفاضلة والثبات والجرأة ... بما تتطلبه غاية الجمعية".( . البخيت، جمعية العربية الفتاة، ص 44.) لم تخرج الفكرة العربية في إطار الجمعية لتنادي بالانفصال عن الدلوة العثمانية لقدر ما كانت تتمثل في غايتها الأولى، الدعوة إلى استقلال البلاد العربية استقلالاً تاماً بجميع معانيه الحقوقية والسياسية، ولكن في ظل السلطنة العثمانية، وتأييد ذلك الاستقلال يجعل الأمة العربية في مصاف الأمم الحية، ومن أجل تحقيق مثل هذه الغاية لابدّ من السعي الجاد، لذلك جعلت الجمعية من وظائفها العامة واجب تقوية الشعور العربي بين طبقات الأمة العربية كافة، ومنطلقها في ذلك "عربي فيها قبل كل شيء وفي كل شيء".( . المصدر نفسه، الصفحة ذاتها.)وتكمن أهمية هذه الجمعية التي مثلها الخطيب في مصر، كونها لعبت دورين مهمين هما: 1- الوقوف في وجه الحركة الطورانية 2- رسم خطوط المستقبل للحركة العربية التي تطورت فيما بعد للمطالبة بالإنفصال عن الدولة العثمانية وتأييد الثورة العربية الكبرى. ظهرت أهمية تلك الجمعية فيما نادت به عند انعقاد المؤتمر العربي الأول في باريس في حزيران/ يونيو عام 1913، وتمثل ذلك في المطالبة بالعديد من الإصلاحات العثمانية في الولايات العربية.( . قدري، مذكراتي، ص 14. وعن دور محب الدين الخطيب في المؤتمر العربي انظر: سهيلة الريماوي، أوراق محب الدين الخطيب، في بحوث في التاريخ، مهداة إلى الدكتور أحمد عزت عبد الكريم، ص117، القاهرة، مطبعة جامعة عين شمس، 1976. وانظر: محمد رشيد رضا، مقاصد المؤتمر العربي النافعة، مجلة المنار، م 16، ح 5، ص 394. وعن وثائق هذا المؤتمر انظر: وجيه كوثراني، وثائق المؤتمر العربي الأول 1913، دار الحداثة، بيروت، ص 1980.) وقد كان محب الدين الخطيب آنئذٍ واحداً من أعضاء حزب اللامركزية الذي اتصلت به لجنة المؤتمر في باريس، وكانت الغاية من ذلك الاتصال "تعميم الحركة العربية ونشر فكرتها".( . أحمد قدري، مذكراتي، ص 15.) استمر الخطيب في الدعوة إلى الحكم اللامركزي أو الاستقلال ضمن الرابطة العثمانية، لكن تنامي حركة الوعي العربي بعد الثورة على الحكم العثماني 1916 اختلف، وذبك بحسب مؤشرات الفكرة العربية لتدعم حركة الاستقلال العربي عن الحكم العثماني وهذه المؤشرات دفعت الخطيب إلى الإلتحاف بالشريف الحسين بن علي، للإشراف على صحيفة القبلة التي صدرت مع قيام الثورة العربية، كما كان الخطيب واحداً من مستشاري الشريف آنذاك. III الفكر الوحدوي في الإطار القومي 1916-1920 بعد خروج الأتراك من بلاد الشام، عاد الخطيب إلى دمشق، بعد أن أعلن الأمير فيصل بن الحسين قيام الحكومة العربية، وتولّى تحرير جريدة العاصمة التي كانت تنطق باسم الحكومة العربية. ويظهر جلياً أن تفكيره الوحدي اعتمد في هذه المرحلة على الدعوة لايقاظ الوعي القومي وفي إطار فكري لا يجد تعارضا بين الوطنية والقومية العربية. لذلك، اختار محب الدين الخطيب للافتتاحية الثانية في جريدة العاصمة، عنوان "قوميتنا العربية"( . بدأ محب الدين الخطيب يكتب افتتاحية جريدة الحكومة العربية في دمشق ابتداءً من العدد 47، لسنة 1337هـ/ 1919م، وقد استمر في ذلك حتى العدد 122 من السنة نفسها عارضاً في افتتاحياته لقضايا مختلفة، انظر: جريدة العاصمة، الطبعة الجديدة، الأعداد 1-178، السنة الأولى والثانية1919-1920، سلسلة الوثائق الهاشمية، إشراف محمد عدنان البخيت، المطبعة الهاشمية 1997 جامعة آل البيت.) وذلك أمر دالٌ على توجهه بعد رحلة التحرر العربي التي بدأت عام 1335هـ/ 1916م، لتأخذ الافتتاحية فيما بعد عناوين تدل على حجم العظة والعبرة التي أراد الخطيب أن يهديها لجيل عصره، وقد أراد البداية بالقومية العربية بقوله: "نحن عرب ليحيا العرب".( . محب الدين الخطيب، قوميتنا العربية، العاصمة، العدد 48، 1 ذي القعدة 1338هـ/ 7 أغسطس 1919، ص 1.) وظهر التأكيد على هذا الشعور بعد عودته إلى القاهرة في مجلة الفتح( . انظر: محب الدين الخطيب، معدن العروبة من رسالة الإسلام، م. الفتح، م 14، ع 666، ص 24، جمادى الآخرة 1258هـ/ ص 380.)، وكان سابقاً عُرف بعلاقته مع الشريف الحسين بن علي ومن بعده مع أبنائه، وهي العلاقة التي ظهرت معالمها عبر جريدة (القبلة) التي صدر أول أعدادها في 16 آب/ أغسطس عام 1916. أما العاصمة، فقد جاء إصدارها في دمشق في وقت حاسم من تاريخ الحركة العربية وهو وقت زيارة اللجنة التي عرفت باسم لجنة "كنج كراين"، إلى سوريا سنة 1919 بهدف استقصاء رغبات السوريين في نوع الحكم الذي يرغبونه بعد إعلان الرئيس الأمريكي "ودرو ويلسون" عن حق الشعوب في تقرير المصير.( . عن السياسة الأوروبية تجاه العرب في المرحلة ما بين 1916-1919. انظر: جورج أنطونيوس، يقظة العرب، تاريخ حركة العرب القومية، ترجمة ناصر الدين الأسد وإحسان عباس، ط2، بيروت، دار العلم للملايين، 1966، ص 38.) بدأ الخطيب فكره نحو الوحدة العربية في الإطار القومي، بتساؤل تجاه النهضة والوحدة، بقوله: فهل أعددنا أنفسنا للعمل؟ وهل نحن متأهبون للمسير إلى الأمام كما سارت الأمم الحية، فنكون أمة قوية بكل وسائل القوة والغنى من زراعة وتجارة"( . محب الدين الخطيب، حي على الفلاح، العاصمة، العدد 49، السنة الأولى، 15 ذي القعدة 1338هـ/ 11 أغسطس سنة 1919، ص 1.). إذاً، فمدخل القوة والوحدة والنهضة لديه، هو التوجه نحو العمل والتجديد والبناء الصادق، والذي سيؤكد على أنه لابدّ له من نتيجة في موضوع افتتاحية رجال الغد بقوله "الغد آتٍ على كل أمة كما يأتي زمن الحصاد... ونحن أبناء سوريا أمة ناشطة بحول الله".( . محب الدين الخطيب، رجال الغد، العاصمة، العدد 52، السنة الأولى، 25 ذي القعدة 338هـ/ 21 أغسطس 1919، ص1.) أما دعامة الاستقلال والوحدة عنده، فيصرح بها على أنها يجب "أن تكون الأمة غير مقيدة بمصالح أمة أخرى تحول بينها وبين المرونة... والتدرج بالاستقلال الاقتصادي شرط أساسي للاستفادة من الاستقلال السياسي..."( . محب الدين الخطيب، دعامتنا الاستقلال، العاصمة، العدد 54، 2 ذي الحجة 1338هـ/ 28 أغسطس 1919، ص1.)، في حين نجده يقيم وزناً كبيراً لمسألة الأخلاق تجاه الاستقلال عندما يقرر: "أنَّ الدعامة الثانية للاستقلال هي الأخلاق...".( . المصدر نفسه، ص2.)نّأنّ ولعل ذلك قاده لأن يكتب في مسألة مهمة هي التربية الاستقلالية، والمبادئ الديموقراطية. عندما نجده يُلمح إلى أن ذلك كان سِمة للعصر الذي عاشه، وقد بدأت الحكومة العربية آنئذ في سوريا تسعى نحوها يقول: "إن الروح الديمقراطية تنمو في سوريا سيراً طبيعياً لا بأس به، فلندعها في طريقها....".( . محب الدين الخطيب، التربية الاستقلالية، العاصمة، العدد96، السنة الأولى، 6 جمادى الأولى 1338هـ/ 26 كانون ثاني 1920، ص1.) هذه الصيغة في الكتابة عن الغد الأفضل لدى الخطيب، من منطق التربية والأخلاق والعمل، دفعته لصياغة جديدة، هي فكرة الأمة، التي يرى أنها قافلة عظيمة سائرة، ولها أربعة مقومات هي: اللغة والدين والتشريع القومي والسلطة الوطنية( . محب الدين الخطيب، نحت سلطان العصور، العاصمة، العدد 102، 4 جمادى الثانية 1338هـ/ 23 شباط 1920م، ص1.)، وتلك المقومات، تقود إلى رفاه الأمة وقوتها، إذا ما حققت شروط وجودها؛ وذلك الرفاه في رأيه كان قد بدأ مع الخطوات التي بدأتها الحكومة العربية في دمشق، يقول: "يظلمنا من ينكر علينا الخطوات التي خطوناها".( . محب الدين الخطيب، المثل الأعلى للعرب، العاصمة، العدد 104، 7 جمادى الثانية 1338هـ/ 26 شباط 1920م، ص1.) لتكون الحصيلة المترتبة على تلك الخطوات في رأيه النهوض بالعربية لغة ونهضة أدبية، بوساطة المراجعة والنشر والتأليف، وأما أداة التشريع بالنهوض بالعروبة فهي موجودة في رأيه في المدارس التي تنشئ الأجيال، يقول: "وبعد فإن في الإمكان تسريع خطوات نهضتنا الأدبية إذا عنيت مدارسنا بتعويد تلاميذها على المطالعة وحببت إليهم اقتناء الكتب العربية...".( . محب الدين الخطيب، المصنفون، الطابعون – القراء، العاصمة، العدد 106، السنة 2، 14 جمادى الثانية 1338هـ/ 4 آذار 1920 ص 1-2.) ومن أجل تحقيق الوحدة القومية نجد الخطيب ينخرط في الجمعيات السياسية العربية التي قامت في بلاد الشام في الحقبة الممتدة بين عامي 1908-1918م، وما ان قامت الحكومة العربية في دمشق في عصر فيصل بن الحسين، حتى كان الخطيب على موعد مع المنجز السياسي لحكومة الوحدة العربية. وبذلك نجد أن الفكرة العربية في تطورها نحو الوحدة عبرت عن ذاتها لدى الخطيب من خلال الدعوة إلى إيقاض الوعي القومي، الذي كان يتبلور ويتناسق بالتدريج مع ما ينتاب الأمة العربية من أحداث ومصائر، فبعد أن كانت مطالب العرب تنحصر بحكم لا مركزي قبيل الحرب العالمية الأولى فقد تطور مفهوم الفكرة العربية عند الخطيب فيما بعد إلى الدعوة للاستقلال وتأييد الثورة على الحكم العمثماني، لكنه في المرحلة التالية وبانتقال إلى القاهرة سيكون منطلق التفكير الوحدوي عنده في إطار الرابطة الإسلامية. يرى الخطيب أن للعرب قابلية نحو الوحدة الشاملة، ومبعث هذه القابلية أن للأمة صفاتها الأصيلة التي تبرهن عليها دوماً وتعيدها إلى ماضيها المشرف( . محب الدين الخطيب، معدن العروبة ومكانة العرب، الفتح، م 16، ع 800، جمادى الأولى، 1362هـ/ 1943، ص 800.)، لكنه أكّد في موضع آخر على أن "المسلمين لن يتوحدوا إلاّ إذا توحد العرب أولاً".( . محب الدين الخطيب، العرب مادة الإسلام، الفتح، م 16، ع 801، 21 جمادى الأولى 1362هـ/ 1942، ص 808.) ويظهر أنه ركّز جهوده في بداية رحلته على الاهتمام بالعروبة وفكرتها القومية، وذلك بالاعتماد على اللغة العربية دعامة مهمة من دعائم الروابط العربية، وهو في ذلك يتفق مع بعض المفكرين العرب أمثال ساطع الحصري مثلاً، الذي يرى أن اللغة هي الأساس في بناء القوميات، ولابدّ لمن يتصدّى للريادة الفكرية لهذه الأمة العربية أن يعطي لغتها الأهمية الكبرى.( . محمد عبد الرحمن برج، ساطع الحصري، القاهرة، 1969، دار الكتاب العربي، ص 10.) آمن الخطيب بدور الشباب العربي في ضرورة تحقيق الوحدة، فراقبهم بعينه الناقدة وساءه قلة اهتمامهم باللغة العربية، فأسس لهم في الأستانة منتدى خاصاً بهم، وكان ذلك أول نشاط له نحو مشروعه الوحدوي، ثم ساهم في تأسيس جمعية العربية الفتاة عام 1909م، وبعد ذلك شارك في المؤتمر العربي الأول الذي عرضت فيه القضية العربية، وكل ذلك من أجل النهوض بالأمة. IIII: الرابطة الإسلامية في مواجهة الهجمة الاستعمارية إذا كانت الدعوة إلى الوحدة العربية في إطارها القومي قد شكلت أحد اهم ملامح فكر محب الدين الخطيب خلال السنوات 1916-1920 ، وذلك من أجل استعادة العرب موقعهم الحضاري، إلا أن هذا المفهوم سيتغير في المرحلة التالية، التي شهدت تقسيم البلاد العربية بين الدول الغربية، ومن ثمّ سيتحول مفهوم الوحدة في وعي محب الدين الخطيب إلى انها تمثل الخطوة المناهضة للاستعمار، وأنها الرد الحقيقي على محاولة تقسيم البلاد العربية، وسيرى أن الوحدة أساسها الشعور الديني المشترك باعتبار أن الإسلام العامل الموحد للأمة، أي ان فكرة الوحدة العربية ليست علمانية او قومية بالدرجة الأولى. وبعد سقوط العالم الإسلامي في يد الاستعمار، ووقوع البلاد العربية تحت الهيمنة والتجزئة نادى الخطيب بضرورة المحافظة على الرابطة الإسلامية بين شعوب الأمة وأقطارها، مشيراً إلى أنها وحدة سياسية وشعورية وروحية، يقول: "فأنا بصفتي مسلماً شريك لكل محمدي في جامعة الإسلام، وهي عندي أشرف الجامعات؛ لأنها تجمعني مع إخواني المسلمين بالروح والتفكير والإبداع".( . محب الدين الخطيب، الجامعة القومية والجامعة الإسلامية، الفتح، م 10، ع 466، 6 رجب 1354هـ/ 1935، ص 358.) يرى الخطيب أنّ نشوب الحرب العالمية الأولى 1333هـ/1914م كان له دور وتأثير سلبي على أمة العرب ويقظتهم، وذلك لأن رجال النهضة العربية قد بدأوا يسيرون بالتدرج في بعث العروبة ويقظة أهلها، وذلك أشبه ما يكون بمشروع حضاري تظهر نتائجه تدريجياً وليس دفعة واحدة. ويضيف: "إن من سوء حظ القومية العربية أن الحوادث الطائشة جعلت تسابق الخطوات الحكيمة التي كان يخطوها رجال النهضة العربية، فبينما هم يعملون على ترقية شعوبهم بالمعارف والتهذيب... فوجئوا بنشوب الحرب الكونية ثم بدخول تركيا فيها...".( . محب الدين الخطيب، الحسين بن علي كما رأيته في ثلاث سنوات، الزهراء، م 1، ح 3، ربيع الأول 1343هـ/ 1924م، ص 193.) وكان الخطيب معجبا بمشهد الوحدة، فدعا إلى عدم الخضوع للتقسيمات الاستعمارية، إذ لجأ أولاً إلى إيقاظ رابطة الأخوة الإسلامية، مخاطباً أبناء الأمة الإسلامية بضرورة تعاونهم لمساعدة الأمة لتخليصها مما انتابها من أمراض( . محب الدين الخطيب، مصر العربية، الفتح، م 5، ع 242، 2 شوال 1349هـ/ 1930م، ص 658.)، ويرسم دعوته للوحدة من أجل رفعة الأمة. والوحدة في هذا الإطار، ستقود إلى خطوات عملية على طريق الوحدة الشاملة، لذا نجده يعمل على ذلك بعقد المؤتمرات الثقافية التي من شانها أن تسهم في توحيد الثقافة، ثم الانتقال من موضوع الثقافة إلى موضوع السياسة، مروراً بمسألة الصناعة والاقتصاد، ثم تتسع دائرة الوحدة عنده لتشمل الاجتماع السكاني من حيث الموالاة والمناصرة، حتى يعود المسلمون جسماً واحداً من جديد.( . محب الدين الخطيب، فراغ في حياة القومية العربية، م 13، ع 608، جمادى الأولى 1375هـ/ 1938، ص 188. وانظر كذلك: محب الدين الخطيب، فاتحة العام التاسع، م 9، ع 401، 16 ربيع الأول 1353هـ/ 1934م.ص1) ولعل سبيل الوحدة القوي عنده هو التلاحم القوي، فأبناء الأمة تتصل أمانيهم "بآصرة واحدة وعقولهم تشترك في عقيدة واحدة وقلوبهم تتحرك بأمنية واحدة"( . محب الدين الخطيب، فاتحة العام التاسع، المصدر سابق، ص1.). إضافة لذلك، يرى أن من سُبل الوحدة، وحدة المطمح والآمال، لأن وحدة أمته "مستمدة من المطمح، ومستمد من الآلام والأمثال، وفي حاجاتها العلمية والاقتصادية..الخ".( . محب الدين الخطيب، مصر العربية، مصدر سابق، ص 608.) لذلك فإن الإسلام هو العامل الموحد للأمة والقومية العربية، من سبل الوحدة في نظره، فنجده يركز على ذلك وبخاصة بعد عودته لمصر وعبر مقالاته في الفتح والزهراء والحديقة، فإن الأمر لم يكن إلا بعد أن رأى مشروع الوحدة ينتهي بصورة مأساوية بعد انتهاء حركة الشريف الحسين بن علي والاخفاقات التي مني بها مشروعه النهضوي بسبب السياسات الاستعمارية والتآمر الدولي على البيت الهاشمي مما أثر على علاقات العائلة الهاشمية بعدد من المفكرين. ومن مظاهر ذلك التأثر تحول محمد رشيد رضا ومحب الدين الخطيب عن موقفهما في العمل مع حركة الثورة العربية بعدما آلت إلى نهايتها المعاصرة لهم، وعودتهما إلى الحديث عن فكرة الإسلام والجامعة الإسلامية. ويبدو أن الحديث عن الإسلامية وخطاب الوحدة يأتي بعد كل مرحلة يتراجع فيها مشروع العروبة الموحدة. عبرت مجلة "الفتح" في ستواتها الأولى عن خيار الرابطة الإسلامية بشكل جلي، فقد ناصبت العداء كل من شأنه تهديد الإسلام والمسلمين، وهي في فلسفتها التي جاءت بها افتتاحية العدد الأول ضد النزعات "الهدامة والهجمات التي يوجهها الملحدون نحو أصول الإسلام وقواعده فكان ذلك من دواعي إصدار صحيفة دينية علمية أدبية تقوم بالدفاع عن الإسلام وتعمل على تمثيله للقراء تمثيلاً صحيحاً بريئاً من الشوائب"( . محب الدين الخطيب، افتتاحية العدد الأول، الفتح، م1، ع،1، الخميس 29 ذي القعدة 1344هـ/ 10 يونيه 1926.). ومن أجل ذلك راح الخطيب يبحث عن العوامل التي أدت إلى تأخر الإسلام والمسلمين، والتي حصرها، بفقدان الزعماء ذوي الميول السامية والمطامح الإسلامية الواسعة، وفقدان العناية بالمصالح العامة وفقدان التربية الإسلامية، وفقدان العناية بالسياسة الخارجية( . محب الدين الخطيب، الأسباب التي أدت إلى تأخر المسلمين، الفتح، م 1، ع2، 6 ذي الحجة 1344هـ/ 17 يونيه 1926. ص1-3.). كما أنه عدّ الفتح منبرا إسلاميا للدفاع عن الإسلام وما يحيط بثقافته من تحديات وأفكار إلحادية، فأنبرى للرد على طه حسين وأفكاره في العلاقة بين الدين والعلم( . محب الدين الخطيب، العلم والدين في نظر الدكتور طه حسين، الفتح، م 1، ع6،12 محرم 1345،22هـ/ 22 يونيه 1926م، ص1.). وفتحت مجلة الفتح الباب لعلماء الأزهر بنشر مقالاتهم عن الإسلام ودعوته . انظر مقالات عبد الباقي سرور نعيم ، كيف ابتدأت دعوة الإسلام، الفتح م1، ع3، محرم 1345هـ/ حزيران 1926م، ص1 وانظر لنفس الكاتب الحلقة الثانية من الموضوع في العدد 4 من الفتح، 8/تموز 1926، ص5. ونشر سرور سلسلة متتالية من حلقات هذا الموضوع في الفتح.، أو الدفاع عنه ضد الملحدين وكثير منها كان لا يحمل تواقيع( . مجهول، الجرائد أمس واليوم والإلحاد، الفتح والكلام مع علماء الأمة من أجله، الفتح، م 1، ع6، 12 محرم 1345هـ/22 يوليو 1926،ص3. وانظر: مجهول، هل من عطوف على الإسلام يأخذ بيده، الفتح، م 1،ع5، 23 محرم 1345هـ/15 يوليو 1926م. ص6.). V: الوحدة في إطار الرابطة الإسلامية توضح مبادئ مجلة الفتح الصيرورة التي اتجه إليها محب الدين الخطيب في فكره الوحدوي منذ نهاية العشرينات من القرن العشرين، وهذه المبادئ ترى أن الفتح:" لأهل القبلة جميعاً العالم الإسلامي وطن واحد والمسلمون إلى خير، ولكن الضعف في القيادة ادى إلى واقع صعل، أنت – يخاطب جمهور الفتح- إلى ثغرة من ثغور الإسلام، الفتح رسالة إلى الأقطار الإسلامية الفتح رابطة روحية بين قرائها.."( . هذه المبادئ جاءت على صدر غلاف مجلة الفتح منذ العام الثاني لصدورها.). أوضح الخطيب أن الشرق الأدنى لا يريد إلا الاستقلال، ومن أجل ذاك دعا إلى تحقيق الذات ورفض التغريب، لذا نجده يعرض لصور التغريب، ومنها قضية اللباس الإفرنجي في المدارس، كما أنه لم يتوان عن وصف نظام السلطان عبد الحميد بأنه كان "سمساراً لحكومات أوربا بل كان بوليسيا يأخذ من جيوب المسلمين والشرقيين نقودهم..الخ".( . محب الدين الخطيب، الشرق لا يريد إلا الاستقلال، الفتح م5، ع 202،8 محرم 1349هـ/1930م، ص1.) وطالب الخطيب أن تكون التضحية عند شباب الأمة لأجل الإسلام والأمة الإسلامية( . الخطيب، خلق التضحية، الفتح م5، ع 205، 29 محرم 1349هـ/1930م، ص1. ). ولم يقتصر الخطيب على نفسه في الكتابة عن قضايا الأمة الإسلامية( . محب الدين الخطيب، القضاء على أمال اليهود في البراق، الفتح م 5، ع 207، 14 صفر1349هـ/1930م، ص1.)، بل أنه استقطب كبار الكتاب للدفاع أو لعرض قضايا الأمة وتوضيح صورة الإسلام، أمثال شكيب أرسلان ومصطفى الرافعي ومحمد الخضر حسين وغيرهم( . أنظر: مصطفى الرافعي اللبان، محاسن الإسلام، الفتح، م5، ع 206، 7 صفر 1349هـ/ 1930م. ص 8. كما تابعت الفتح في أخبارها مسألة أوقاف سكة الحديد الحجازية باعتبارها قضية إسلامية أنظر خبر: وقف المنشاوي، السكة الحجازية، الفتح، م5، ع 206، 7 صفر 1349هـ/1930م، ص 13. ). ومن القضايا الكبرى التي وقف عندها الخطيب في الفتح إلى جانب توليه الرد على كتاب عصره الذين خاضوا في قضايا دينية( . أنظر: محب الدين الخطيب، مدسوس على اليهود وعلى المسلمين، الفتح م5، ع 212، 19 ربيع الأول 1349هـ/1930م ص 1. والمقال هو رد على حسين محمود الذي كتب في المقطم مدافعا عن حق اليهود في الصلاة عند مبكاهم)، الكشف عن مسألة تنصير البربر في الشمال الإفريقي( . تابعت الفتح في عدة أعداد قضية تنصير البربر: أنظر تقرير، صدى مسألة تنصير البربر في المغرب الأقصى، من قبل فرنسا والمواقف الإسلامية منها، الفتح، م5، ع 216، 17 ربيع الثاني، 1349هـ ص 6. وانظر مقال شكيب أرسلان، مسألة إخراج البربر من الإسلام، م5، ع 220، 17 جمادى الأولى 1349هـ /1930م ص 1، 10 ،11.). كما نجده يتولى الإرشاد لجمعية الشبان المسلمين وتوضيح أهدافها، إلى جانب متابعة الفتح لأخبار فروع الجمعية ونشاطاتها( . الخطيب، في مؤتمر الشبان المسلمين، الفتح م 5، ع 208، 21 صفر 1349هـ/1930م، ص1، تحدث الخطيب عن الجمعية التي تأسست عام 1346هـ وطموح الشبان المسلمين ومندوبيهم في المؤتمر.). مارس الخطيب دور المنظر لجمعية الشبان المسلمين فقد خاطبهم بقوله: "يجب ان يكون وطنك وقومك وبنو أمتك أحب الجامعات إليك، فلا تدع لأعداء وطنك وأمتك ودينك مجالاً( . الخطيب، إلى شباب العرب والإسلام، الفتح م5، ع 223،8جمادى الآخرة 1349هـ/1930م،ص1.) لانتقاص كرامة هذه الجامعة المقدسة، أو الحط من منزلتها أو الطعن في شيء منها أو الإقلال من أصدقائها..الخ".( . محب الدين الخطيب، إلى شباب العرب والإسلام الفتح م5، ع 223، 8جمادى الآخرة 1349هـ/1930م، ص 1.) ويؤكد الخطيب في افتتاحياته، على أن الجامعة القومية والإسلامية، والإسلام يأمران المسلم بأن يكون وطنيا وبأن يجاهد في سبيل وطنه( . محب الدين الخطيب، الإسلام جامعة الجامعات القومية والجامعات القومية جيوش الإسلام يقوم كل جيش بالدفاع عن الثغرة لتي تليه، الفتح م5 ع 232 12 شعبان 1349هـ/ 1930م، ص1.). ويتخذ الخطيب من المناسبات الإسلامية وسيلة لتذكير الأمة بماضيها، ويدعوها للنهوض ضد تردي أوضاعها فقد كتب في ذكرى معركة حطين:" يا أمتي هيا بنا نغتسل جميعا في مياه طبريا ونشهد تراب حطين على ان نتجرد من أدران اليأس القاتل والشهوات الخسيسة والأنانية الحقيرة.."( . محب الدين الخطيب ، ذكرى معركة حطين، م 7، ع 308، 30 ربيع الثاني 1351هـ/1932م، ص 115 ). وعنى الخطيب بالحديث عن مستقبل الإسلام والمسلمين في مقاله "موقف المسلمين الحاضر" بقوله:" نحن نرى أن المعركة القائمة الآن بين الشرق والغرب أو بين الإسلام والمسيحية هي إنما صفحة من صفحات حرب متواصلة ابتدأت يوم كان بطرس الناسك يطوف بحماره بلاد أوروبا محرضاً على إثارة الحروب الصليبية..."( . محب الدين الخطيب، موقف المسلمين الحاضر، الفتح م5، ع 224، 15 جمادى الآخرة 1349هـ/ 1930، ص1-2.) لم يكن حديث الخطيب عن راهن الأمة في ضوء تحدياتها فقط بقدر ما كتب أيضا عن سبل الخروج من التأخر وهذا ما جاء به مقال إلى أين نحن سائرون، وفيه قال:" لا مخرج لنا إلا باستعمال آلات الغرب البخارية والكهربائية ولكن يجب ان يكون لذلك نظام توازن..الخ"( . محب الدين الخطيب، إلى أين نحن سائرون، م 7، ع 230،7 شوال 1351هـ/ 1932. ص1-2.). كما بين الخطيب في تحليله لسياسة الاستعمار، أن الصراع الحضاري بين أوروبا والأمة الإسلامية، قاد إلى هيمنة الغرب على الشرق العربي، وأن الغرب سعى إلى القضاء على قوة العرب من أجل تمزيق وحدتهم؛ لأن الوحدة من عناصر القوة، فقد دعا إلى القومية العربية والوحدة ردا على الوطنيات الضيقة التي كان يغذيها الاستعمار.( . يقول الخطيب: "ولقد كنا مسوقين إلى هذه الوطنية باليد التي رسمت خطة واسعة النطاق لتمزيق وحدتنا وتوهين قوتنا"، محب الدين الخطيب، الوطنية، الفتح، م 2، ع ، 10، 25 ذي القعدة 1346هـ/ 1927م، ص 7.) فهو إذن، يرفض الوطنيات، وجاء هذا الرفض بعد إصداره صحيفة الفتح في أيار 1926 والتي استمرت إلى تشرين الثاني 1948، وبوساطتها مضى يكمل رسالته في خدمة أمته العربية، ويجب التأكيد هنا على أن تجربة الحكومة العربية الفيصلية في دمشق أثرت في وعيه وهواجسه تجاه مسألة الوحدة ومفهومها، والتي ظهرت عنده بالتركيز على رابطة الإسلام، وليس بالوطنيات وأفكارها واتجاهاتها، يقول: "ومن هنا كانت العصبية الوطنية ممقوتة في الإسلام ومثار تفرقة بين أهله".( . محب الدين الخطيب، ملكا العرب، الفتح، م 8، ع 359، 3 جمادى الأولى 1353هـ/ 1934م، ص169-170.) ولكن الأمر لا يخلو من التباس، ففي مقالته الأولى في جريدة العاصمة، والتي حملت عنوان "قوميتنا العربية"( . محب الدين الخطيب، قوميتنا العربية،العاصمة، م 1، العدد 48، ذي القعدة 1338هـ/ 1919م، ص1.)، أفاض في الحديث عن الوطنيات العربية، فعرض لقومية السوريين ووطنيتهم، واللبنانيين والعراقيين وعزز ذلك العرض بأمثلة من التاريخ العربي القديم( . المصدر نفسه، والصفحة ذاتها.)، ثم نجده ينقلب على موقفه السابق حين يقول: "وصاروا يتعصبون للقطر الواحد، بل صاروا في القطر الواحد يتعصبون للبلدة الواحدة، بل صاروا في البلدة الواحدة يتعصبون للحي الواحد من أحيائها".( . محب الدين الخطيب، المثنى بن حارثة الشيباني ينهض للعمل، الفتح، م 10، ع 465، 5 رجب 1354هـ/ 1925م، ص 352-353.) ومهما كانت مسؤولية الوطنيات عن الإخفاق في مشروع الوحدة العربية، فإن العروبة بمفهومها العام تعد العامل المحرك عند الخطيب تجاه مسألة الوحدة الأشمل للأمة الإسلامية، ولكن السؤال هنا، لماذا يقبل محب الدين الخطيب بالعروبة عاملاً مسانداً للوحدة ولا يقبلها مشروعاً مستقلاً بذاته؟! لعل تجربة الصورة العربية التي شهدها كانت درساً له، ولكن الدولة الإسلامية وطوال القرن التاسع عشر، لم تنجح في إدارة دولة الوحدة "الدولة الإسلامية"، فهي وإن كانت برعت في إدارة الملل والطوائف والحفاظ على حقوق الأقليات إلا أنها فشلت في إدارة القوميات. وتحددت وجهته السياسية بعد مشروع الثورة العربية الكبرى والتحاقه بحكومة الأمير فيصل بن الحسين في دمشق، إذ عمل معها، وشارك في كتابة افتتاحيات صحيفتها "العاصمة" وبدا معجباً بفكر فيصل بن الحسين في بناء الدولة الموحدة، لكن خسارة ميسلون 1920م أجبرته على الخروج من سوريا، والعودة إلى القاهرة، لينشئ فيها مجلة الفتح التي أخذ يشرح فيها أسباب نهوض الأمة ووحدتها. ونلاحظ مما سبق أن الخطيب ابتدأ من جمعية النهضة العربية التي أرسى قواعدها في الأستانة، مروراً بالجمعية العربية الفتاة، ثم تجربة حكومة دمشق وانتهاءً بالفتح والعاصمة، وكان رافضاً للوطنيات راغباً بالرابطة الإسلامية إطاراً عاماً، لا يضره وجود محرك فاعل أو أساسي وهو وحدة العرب، هذه الوحدة التي تنبع عنده من المصير المشترك والماضي العريض ووحدة الأهداف، وتتجه نحو اليقظة الشاملة الرافضة لسياسات الاستعمار. لقد ملأت مقالاته السياسية جريدة العاصمة فقد كانت تصدر مرتين أسبوعياً، مذكراً باعتزازه بعودة الحكم العربي إلى دمشق. ثم نجده يساهم في تأسيس المعهد العلمي العربي في دمشق، مما يدل على مدى جديته في حمل المشروع الوحدوي العربي إلى حيز التعبير. لكن بعد أن قطعت الفتح شوطاً في التأسيس شرعت في تبني خيار الوحدة في إطار الرابطة الإسلامية، وهنا تحولت الرابطة من حاضنة للمقاومة ضد الاستعمار إلى قاعدة للوحدة الإسلامية ومرجعية لها، وتميزت الفتح منذ بداية الثلاثينات – أي بعد أربع سنوات على التأسيس- بدفاعها عن القضايا العربية المختلفة ضمن الرابطة الإسلامية، ومن هذه القضايا التي دافع عنها الخطيب في مجلة الفتح: - الدفاع عن وحدة البلاد العربية ورفض الاستعمار( . محب الدين الخطيب، تقليص الاستعمار، الفتح، م14، ع851، 2 محرم 1367هـ/1947. ص1.) ومقاومته( . محب الدين الخطيب، العرب بين الانكليز والفرنسيين، العراق وسوريا. مجلة الفتح، م 7، ع318، ربيع الأول 1351هـ/ 1932، ص1-2. وانظر مقال مصر والاستعمار اللاتيني في شمال أفريقيا، الفتح، م7، ع273، 4 جمادى الآخره 1350هـ/ 1930م، ص1.). - الدعوة إلى مقاومة التبشير وفضح وسائله( . محب الدين الخطيب، التبشير عمل استعماري، مجلة الفتح، م 2، ع 51، 6 محرم 1346هـ/1926، ص1-2.). - التأكيد على حاجة الأمة الإسلامية للإصلاح والزعماء الإصلاحيين( . محب الدين الخطيب، حاجة الأمة الإسلامية إلى زعماء إصلاحيين، الفتح، م 2، ع61، 5 شوال 1346هـ/ 1927، ص1. وانظر مقالات محمد الخضر حسين حول الدعوة للإصلاح، الفتح، م2،ع، 51، 6 محرم 1346هـ/1926، ص8.). - العمل على توعية المسلمين بالمخاطر التي تهدد الإسلام والدفاع عن كرامة الإسلام( . محب الدين الخطيب، الدفاع عن كرامة الإسلام فيما وراء البحار، الفتح، م 4، ع 255 2 صفر 1350هـ/1931م، ص1). - الوقوف أمام الفتن والدفاع عن المجتمعات الإسلامية من خطر الدعوات الدينية الضالة( . محب الدين الخطيب، محاربة الفتن، الفتح، م 6، ع 324، 1351هـ/1931م، ص372، يقول الخطيب:" نطلب من صاحب الفضيلة الاستاذ الأكبر شيخ الازهر بوجع خاص وبصفته كبير علماء الإسلام في المملكة المصرية ان يلفت أنظار حكومة صاحب الجلالة الملك فاروق إلى مركز الدعاية القاديانية المفتوح في شارع محمد علي بالقاهرة..الخ".). - الدفاع عن الهوية الإسلامية واللغة العربية والمطالبة بالحفاظ على المناهج التربوية من خطر الأجانب واقتراحاتهم في التعليم؛ لأن التأثر بالغرب برأيه " جعل التعليم يهمل أداب الإسلام وتاريخه فخرج لنا أبناء محررين من سلاح الفضائل الإسلامية..الخ"( . محب الدين الخطيب، التربية والتعليم ومخاطر التغريب، الفتح، م 15، ع721، 2 شوال، 1359هـ/1940مـ ص2.). وإلى جانب الاهتمامات الفكرية فإن"الفتح" أولت الخبر والتحليل السياسي للأحداث الجارية في العالم العربي، وفي بعض البلاد الإسلامية، جانباً من اهتمامها، وهذا يقدم مادة خبرية غنية، كما عنيت بتقديم تاريخ وحال الإسلام في البلاد غير الإسلامية( . تركز المجلة على نقل أخبار المسلمين في جاوه والهند وفي الصين، هذا إلى جانب بعض المقالات الخاصة ومنها على سبيل المثال. محب الدين الخطيب، الإسلام في الصين غابره وحاضره، الفتح، م 7،ع334، شوال 1353هـ/1932، ص2؛ عبدالله نوح، الإسلام في اندونيسيا، نضال بين الحركة الدينية والوطنية المجردة، الفتح، م5، ع241، ص8. كما استحسنت الفتح كل مقال يظهر محاسن الإسلام أو يتعاطف مع المسلمين من قبل الكتاب الغربيين أنظر:المسيو أوجين جولغ نائب سفير فرنسا في تونكين، الإسلام والمسلمون في شمال افريقية، مراجعة أمين محمود الشريف، الفتح، م 5، ع، 204، 22 محرم 1349هـ/1930م، ص10.). وقد عبرت افتتاحياتها على رأس كل عام عن التزام الخطيب بمبادئه والتركيز على الرابطة الإسلامية كسبيل للوحدة ومن ذلك ما جاء في افتتاحية العام السابع يقول:" إن هذه السنوات السبع التي مرت على صحيفة الفتح أظهرت جميع الأحداث التي دلت على يقظة المسلمين...في أواسط سنة الفتح الثانية كان شبان المسلمين تحوم في دار الصحيفة ليل نهار...".( . محب الدين الخطيب افتتاحية العام السابع، الفتح، م6، العدد 351، ربيع الأول 1352هـ/1933.) وتبقى القيمة الأساسية الأولى لهذه المجلة كامنة في الجانب الفكري، بما تقدمه من وثائق فكرية مهمة عبّرت خير تعبير عن هموم التيار الإسلامي وانشغالاته في تلك المرحلة، كما عبّرت عن نوعية الخطاب الفكري الإسلامي السائد آنذاك، ومن المؤكد أن ما اعترى هذا الخطاب من تحولات وانعطافات في ربع قرن حافل بالصراع بين الوافد والموروث، يمكن تلمسها بوضوح على صفحات مجلة "الفتح"( . انظر للمزيد عن الفتح، في: بسام البطوش، محب الدين الخطيب ومجلته "الفتح" أنموذجا، جريدة الغد، 22/10/2005، ص8.). VI. الخلاصة: تحليل خطاب الوحدة ومفاهيما بدأ الفكر الوحدوي عروبياً خالصاً عند الخطيب في البداية، إلا أنه فيما بعد لم يخرج عن كونه أُمنية( . محب الدين الخطيب، أمنية الاتحاد العربي، الفتح، م15، ع 729، 22 رمضان 1359هـ/ 1940م، ص468.)، ولكنها ضمن إطار الإسلام الذي يشكل الرابطة الممسكة بمعالم خطاب الوطنية والوحدة، فالمسلم عنده بحكم إقامته ينتمي إلى وطن، تربطه مع أبناء وطنه رابطة لها عليه واجبات وله منها حقوق، وفي الوقت نفسه يرتبط مع أبناء قومه برابطة أوسع من السابقة ولا تتعارض معها، لها عليه واجبات وله منها حقوق. وهاتان الرابطتان تصبان في النهاية في بوتقة الرابطة الإسلامية الشاملة مع أبناء دينه، بحيث يكون للأمة الإسلامية شخصية واحدة وجسم واحد متراص البناء.( . المصدر السابق، ص 468.) وقد أراد من ذلك أن يؤلف بين تناقضين أو قل رابطتين كانتا تتجاذبان خطاب عصر النهضة والاستقلال الوطني، وهما مسألة العروبة والإسلام والوحدة، حيث نجده يرى أنّ مدنية الإنسان جعلته ساعياً بشكل دائم نحو معنى الاشتراك والاتحاد مع الآخرين إلى أقصى حدٍ ممكن، بحيث لا تتعارض هذه الروابط والمشاركات ولا يفسد بعضها بعضاً مهما كانت الدوافع.( . محب الدين الخطيب، الجامعة القومية والجامعة الإسلامية، الفتح، م 19، العدد 742، 22 رجب 1359هـ/ 1940م، ص 562.) إزاء ذلك لم ير الخطيب تعارضاً بين دعوته لتحقيق الإخاء الإسلامي والدعوة للوحدة العربية، مع السعي إلى توضيح العلاقة بينهما، إذ نجده يشير إلى أن تحقيق الإخاء الإسلامي بين المسلمين عرباً وعجماً يمكن تحقيقه، ولكن لا بدّ له من خطوة تسبقه وتمهد له، وهذه الخطوة في رأيه، هي الانطلاق نحوه بمسيرة واحدة تجمع الناطقين بالضاد، حسب ما تتوافق مصالحهم وتتوحد كلمتهم، من أجل مصالحهم العامة ومطمحهم السليم في الوحدة.( . محب الدين الخطيب، أمنية الاتحاد العربي، الفتح، م 15، ع ، 729، 22 رمضان 1359هـ/ 1940م، ص 468.) لكنه عارض بشدة أن تكون الدعوة للوحدة العربية مدخلاً لقطع الأواصر بين العروبة والإسلام، مؤكداً على أن الهدف من الدعوة للوحدة العربية يجب أن يمثل حلقة ضمن حلقات الأخوة الإسلامية. ولربما يعدّ الخطيب أن السمة المميزة للوحدة الإسلامية أو (الجامعة الإسلامية) تكمن في هذه الحلقات.( . محب الدين الخطيب، كلانا المسلمون أمة واحدة ذات أغراض واحدة، الفتح، م 15، ع 705، 2 ربيع الآخر 1359هـ، ص 93. ويقول محب الدين في افتتاحية له بجريدة القبلة: "الجامعة العصبية نوعان: نوع لا يتنافى وروح الدين ولا يخالف أوامره وهو ما كان الغرض منه إيجاد التآخي والاتحاد... وإن العربي يمكنه أن يكون مسلماً أو مسيحياً أو موسوياً..."، وفي هذا المقال يوضح الخطيب موقف الإسلام من الجامعة العصبية، انظر: الخطيب، الإسلام والجامعة العصبية، جريدة القبلة، ع 25، 19 ربيع الثاني 1335هـ/ شباط 1917م.) وتتلخص دوافعه في ذلك بما ياتي: إحساسه في التزامه الأول الذي كان يدعو إليه وهو فكرة الجامعة الإسلامية، يقول: "أنا رجل من المسلمين انشد الجامعة الإسلامية إلى الوحدة العربية، على ذلك نشأت وعلى هذه الأمنية كونت تفكيري وأقنعت ضميري".( . محب الدين الخطيب، المملكتان العربيتان، الفتح، م 6، العدد 26، 22 جمادى الأولى 1350هـ/ 1931م، ص 323.) وعلى ذلك فإن الوطنية أيضاً لديه ذات هدف إيجابي؛ لأنها لا تتعارض ومفهومه للوحدة العربية الإسلامية، وهذا المفهوم مستمد من قاعدة "الأقربون أولى بالمعروف"( . انظر هذا النص: العجلوني، إسماعيل بن محمد(ت: 1172هـ/ 1758م)، كشف الخفا ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، ط 4، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1985، ج1، ص 183.). فقد بين رأيه في مسألة الوطنية في مقالة نشرها، إذ يقول فيها: "وليس معنى الاتحاد العربي أن يتنازل المصري عن مصريته أو العراقي عن عراقيته، فكل وطن من الأوطان العربية يستطيع أن يبقى كما يريد وأن يؤثر أبناءه بمرافقه، ويوجب عليهم حمل أعبائه الخاصة".( . محب الدين الخطيب، الاتحاد العربي، الفتح، م 15، ع 729، 22رمضان 1359هـ/1940، ص468.) ويحذر من الوطنية بمفهومها الغربي الذي انتقل على يد بعض المثقفين العرب، ويبدو معارضاً لذلك المفهوم، لما يصاحبه من التعصب، ولأنه يتعارض مع الرابطة الإسلامية وتعاليم الإسلام الحنيف، يقول "نحن المسلمين لا نقول بالعصبية الوطنية لأننا نفضل عليها رابطة العقيدة وجامعة الملة"( . محب الدين الخطيب، درس من بلاء التعصب الوطني، الفتح، م 14، ع 694. 14 محرم 1359هـ/ 1940م، ص 663.)، ويبدو أن هذا التحذير من نقل المفاهيم والمصطلحات الغربية إلى المشرق العربي جعله يرى أن الأمة العربية والإسلامية أمة واحدة متكاملة.( . محب الدين الخطيب، أمة واحدة، الفتح، م 12، ع 589، 16 ذي الحجة 1356هـ/ 1927م، ص 944. المصادر والمراجع أولاً: المراجع والدراسات الحديثة أرسلان، شكيب، السيد محمد رشيد رضا أو إخاء أربعين سنة، مطبعة ابن زيدون، دمشق، 1937م. أفندي، محمود رئيف، التنظيمات العثمانية، تحقيق خالد زيادة، دار الطليعة، بيروت، 1989م. إلياس، جوزيف. تطوّر الصّحافة السّوريّة في مئة عام 1865ـ 1965م, بيروت، دار النّضال،1983. برج، محمد عبد الرحمن، دراسات في التاريخ العربي الحديث والمعاصر، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، د.ط. الجميل، سيّار. تكوين العرب الحديث، منشورات دار الشروق، عمان،ط1، 1996. الجندي، أنور. الصّحافة السّياسيّة في مصر منذ نشأتها إلى الحرب العالميّة الثّانية، القاهرة، مطبعة الرّسالة،1962م. الحافظ، محمد مطيع ونزار أباظة، تاريخ علماء دمشق في القرن الرابع عشر الهجري، دمشق، دار الفكر،1986. الحصري، ساطع، القاهرة، دار الكتاب العربي، 1969. الخطيب، عبد العزيز. غُرَر الشّام في تراجم آل الخطيب الحسنيّة ومعاصريهم، دمشق، دار حسان،1996. الخطيب، محب الدّين، حياته بقلمه، دمشق، مطبوعات جمعيّة التّمدن د.ت. الزركلي، خير الدين، الأعلام، دار العلم للملايين، بيروت، ط7، 1986. زياده، نقولا. العروبة في ميزان القومية، منشورا الدار الأهلية، بيروت، سلسلة الأعمال الكاملة،11، ط1، 2002. الريماوي، سهيلة، أوراق محب الدين الخطيب في بحوث في التاريخ، مهداة إلى الدكتور أحمد عزت عبد الكريم، مطبعة جامعة عين شمس، القاهرة، 1976. ـــــ. صفحات من تاريخ الجمعيات في بلاد الشام 1908-1918 في:ناجي علوش الحركة القومية العربية في مائة عام، عمان، دار الشروق،1997. الشّهابي، قتيبة. معجم دمشق التّاريخي، دمشق، منشورات وزارة الثّقافة، 1999م. الشهابي، مصطفى، محاضرات عن القومية العربية، معهد الدراسات العربية، جامعة الدول العربية، القاهرة، 1965. الشوابكة، أحمد فهد، محمد رشيد رضا ودوره في الحياة الفكرية والسياسية، دار عمار، ط1، 1989. صالحة، محمّد وسميح أبو مغلي، تاريخ الصّحافة العربيّة نشأتها وتطوّرها، عمّان، دار بيكار، د.ت. سعد الدّين، محمّد منير، الإعلام، بيروت، دار بيروت المحروسة،1991. سنو، عبدالرؤوف. النزعات الكيانية الإسلامية في الدولة العثمانية، بيسان للنشر والتوزيع، بيروت. ط1،1998. طنوس، جورج، يقظة العرب، ترجمة إحسان عباس وناصر الدين الأسد، دار العلم للملايين، بيروت، ط2، 1966. عثمّان، هاشم. الصّحافة السّوريّة ماضيها وحاضرها، 1877- 1970م، دمشق، منشورات وزارة الثّقافة، 1997م. العجلوني، إسماعيل بن محمد (ت: 1172هـ/1758م)، كشف الخفا ومزيل الألباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط4، 1985. العلبي، أكرم حسن، خطط دمشق، دار الطباع، دمشق، 1989م. قدري، أحمد، مذكراتي عن الثورة العربية، 1375هـ/1956م، وزارة الثقافة، دمشق، د.ت. كحّالة، عمر رضا معجم المؤلفين، بيروت، دار إحياء التّراث العربيّ، د.ت كرد علي، محمّد. المعاصرون، دار صادر، ط2، بيروت،1993. ــــــ، كنوز الأجداد، دار الفكر، ط2، دمشق، 1984. كوثراني، وجيه، وثائق المؤتمر العربي الأول 1913م، دار الحداثة، بيروت، 1980. الكومي، سامي عبد العزيز. الصّحافة الإسلاميّة في مصر في القرن التّاسع عشر، المنصورة، دار الوفاء، 1992. مروّة، أديب. الصّحافة العربيّة نشأتها وتطوّرها، بيروت، دار مكتبة الحياة،1961. ناصر، محمّد. الشّيخ إبراهيم أطفيش في جهاده الإسلاميّ، جمعيّة التّراث، القاهرة،1991. هيبه، محمّد منصور محمود، الصّحافة الإسلاميّة في مصر بين عبد النّاصر والسّادات 1952ـ 1981م، المنصورة، دار الوفاء. د.ت. Schilcher L. Families In Politics Damascene Factions and Estates of the 18th and 19th Centuries, Berliner, 1985. ثانياً: المقالات في الدوريات والصحف أوجين جولغ، الإسلام والمسلمون في شمال افريقية، مراجعة أمين محمود الشريف، الفتح، م 5، ع، 204، 22 محرم 1349هـ/1930م. أرسلان، شكيب. مسألة إخراج البربر من الإسلام، م5،ع 220، 17جمادى الأولى 1349هـ/1930م. البخيت، محمد عدنان، جمعية العربية الفتاة، النظام الأساسي، مجلة الندوة جمعية الشؤون الدولية، مجلد 3، العدد 1، ذو القعدة 1411هـ/ أيار 1991م. البطوش، بسام، محب الدين الخطيب ومجلته "الفتح" انموذجا، جريدة الغد، 22/10/2005. جحا، محمد فريد، مكتب عنبر، مجلة الحوليات السورية، م 2، العدد 23، 1982م. حسين، محمد الخضر. الدعوة للإصلاح، الفتح، م2،ع، 51، 6 محرم 1346هـ/1926. الخطيب، محب الدين، الإسلام والجامعة العصبية، جريدة القبلة، ع 25، 19 ربيع الثاني 1335هـ/ شباط 1917م. قوميتنا العربية، جريدة العاصمة، العدد 48، 11 ذي القعدة 1338هـ/ 17 أغسطس 1919م. ـــــ، الحسين بن علي كما رأيته في ثلاث سنوات، الزهراء، م1، ح 3، ربيع الأول 1343هـ/ 1924. ـــــ، حي على الفلاح، جريدة العاصمة، السنة الأولى، العدد 49، 15 ذي القعدة 1338هـ/ 11 أغسطس 1919م. ـــــ ، رجال الغد، جريدة العاصمة، السنة الأولى، العدد 52، 25 ذي القعدة، 1338هـ/ 12 أغسطس 1919م. ـــــ، دعامتا الاستقلال، العاصمة، السنة الأولى، العدد 54، 2 ذي الحجة 1338هـ/ 1919م. ـــــ، التربية الاستقلالية، العاصمة، السنة الأولى، العدد 96، 6 جمادى الأولى 1338هـ/ 26 كانون ثاني 1920م. ـــــ، تحت سلطان العصور، العاصمة، العدد 102، 4 جمادى الثانية 1338هـ / 23 شباط 1920م. ـــــ، المثل الأعلى للعرب، العاصمة، العدد 104، 7 جمادى الثانية 1338هـ/ 1920م. ـــــ، المصنفون، الطابعون، القراء، العاصمة، العدد 106، السنة 2، 14 جمادى الثانية 1338هـ/ 14 آذار 1920م. ـــــ، افتتاحية العدد الأول، الفتح، م1، ع،1، الخميس 29 ذي القعدة 1344هـ/ 10 يونيه 1926. ـــــ ، الأسباب التي أدت إلى تأخر المسلمين، الفتح، م1، ع2، 6 ذي الحجة 1344هـ/ 17 يونيه 1926. ـــــ، العلم والدين في نظر الدكتور طه حسين، الفتح، م 1، ع6،12 محرم 1345،22هـ/ 22 يونيه 1926م. ـــــ، الوطنية، الفتح،م 1، العدد 10، 25 ذي القعدة 1346هـ/ 1927م. ـــــ، أمة واحدة، الفتح، م1، العدد 5،16 ذي الحجة 1346هـ/1927م. ــــ، في مؤتمر الشبان المسلمين، الفتح، م 5، ع 208، 21 صفر 1349هـ/1930م. ــــ ، مدسوس على اليهود وعلى المسلمين، الفتح م5، ع 212، 19 ربيع الأول 1349هـ/1930م. ـــــ، مصر العربية، الفتح، م5، العدد 242،22 شوال 1349هـ/1930م. ـــــ ، الدفاع عن كرامة الإسلام فيما وراء البحار، الفتح، م 4، ع ، 255، 2 صفر 1350هـ/1931م. ـــــ، المملكتان العربيتان، الفتح، م6، العدد 26، 22 جمادى الأولى 1350هـ/ 1931م. ـــــ، مصر والاستعمار اللاتيني في شمال أفريقيا، الفتح، م7، ع273، 4 جمادى الآخرة 1350هـ/ 1930م. ـــــ، محاربة الفتن، الفتح، م 6، ع 324، 5رجب1351هـ/1931م. ـــــ، الإسلام في الصين غابره وحاضره، الفتح، م 7،ع334، شوال 1353هـ/1932. ـــــ، العرب بين الانكليز والفرنسيين، العراق وسوريا. الفتح، م 7، ع318، ربيع الأول 1351هـ/ 1932. ـــــ، ملكا العرب، الفتح، م8، العدد 309 جمادى الأولى، 1353هـ/ 1934م. ـــــ، فاتحة العام التاسع، م9،ع 401،16 ربيع الأول 1353هـ/ 1934م. ـــــ، المثنى بن حارثة الشيباني ينهض للعمل، الفتح، م 10، العدد 465، 5 رجب 1354هـ/ 1935م. ــــــ ، فراغ في حياتنا القومية العربية، م 13، ع 608، جمادى الأولى 1357هـ/ 1938م. ـــــ، معدن العروبة ومكانة العرب من رسالة الإسلام، صحيفة الفتح، م14، العدد 66، جمادى الآخرة 1358هـ/1939م. ـــــ، أمنية الاتحاد العربي، جريدة الفتح، م15، ع 29، 22 رمضان 1359هـ/ 1940م. ـــــ، الجامعة القومية والجامعة الإسلامية، جريدة الفتح، م19، العدد 742، 2 رجب 1359هـ/ 1940م. ـــــ، كلانا مسلمون أمة واحدة، ذات أغراض واحدة، الفتح، م15، العدد 705، ربيع الآخرة 1359هـ/ 1940م. ــــــ، درس من بلاء التعصب الوطني، الفتح، م14، العدد 694، 14 محرم 1359هـ/1940. ـــــ، العرب مادة الإسلام، الفتح، م 16، العدد 801، 21 جمادى الأولى 1362هـ/ 1942م. ـــــ، معدن العروبة ومكان العرب، الفتح، م 16، العدد 800، جمادى الأولى 1362هـ/ 1943م. ـــــ، تقليص الاستعمار، الفتح، م14، ع851، 2 محرم 1367هـ/1947. رشيد، رضا محمد، مقاصد المؤتمر العربي النافعة، مجلة المنار، م 16، العدد 5، 1922م. اللبان، مصطفى الرافعي. محاسن الإسلام، الفتح، م5، ع 206، 7 صفر 1349هـ/ 1930م. نعيم، عبد الباقي سرور، كيف ابتدأت دعوة الإسلام، الفتح م1، ع3، محرم 1345هـ/ حزيران 1926م. نوح، عبدالله. الإسلام في اندونيسيا، نضال بين الحركة الدينية والوطنية المجردة، الفتح، م5، ع241، 1349هـ/1926. ) الهوامش والإحالات