شبكة قدس الإخبارية

المجهول الذي عَرَفه الجميع... مالكوم إكس

ولاء بزور

أستطيع أن أتخيّله بشعره المجعّد المكوي ليصبح مموّجًا ما بين شعر الذين ينحدرون من أصول أوروبيّة وشعر الأفارقة، إنسان بلا هويّة ولا شيء، لا يحمل همّا سوى عشيقاته، هذه الليلة توجّه إلى معشوقته التي تعمل في البار وكان الفارِق الأول في حياته، فقد تسبّبت شجاعته بكسر زجاجة ويسكي في وجه أحدهم بإعجاب رجل عصابات به، ومن هنا اكتشف فجأة أنه رجلاً، ومن عضو في عصابة إلى مطارد من العصابة ذاتها ليقود بعدها عصابته الخاصة للسرقة والمخدرات.

العمر عشرون عامًا

مالكوم اللص يقول لأحدهم وهو يعبّر عن نفسه: "إياك أن تحاول تخطي شخص ما، لا يخاف من الموت"، نستطيع أن نفهم شابًا متهوِّرًا لايملك شيء ليخشى عليه من تهوّره، الفارق بين المضحّي والعابث أن الأول يحمل برأسه فكرة حتى لو كانت السرقة فيكون على تمام الإستعداد لفقدان حياته في سبيلها، أما العابث كما كان مالكوم فهو هارب من الموت فلا مانع عنده من الاستمتاع بقليل من المطاردة بسرقة إضافيّة.

في يوم ما، كان صديق مالكوم في بيته الذي يُعَد وكر العصابة يقوم بتسحيل شعره بالخلطة الحارقة، ووضْع تلك الخلطة على الرأس يقتضي أن يقوم الشخص بإزالتها أول ما يشعر باللسح، فتوجّه مالكوم إلى المغسلة ليقوم بغسله إلا أن السلطات كانت قد قطعت المياه عن الشقة فما كان منه إلا أن يضع رأسه بالمرحاض، ما أن استدار حتى وجد رجال البوليس تحيط به، وحرق الخلطة لشعره هذا ما يفسّر صور مالكوم عند دخول السجن بشعر واقف.

السجن حوّل مالكوم اللص إلى مالكوم الباحث عن المعرفة عن طريق أحد السجناء ،حين قال له: " أنا لا أعطيك سوى المعرفة التي تستطيع بها أن تعي ذاتك؛ وهي معرفة لا يستطيع أي شخص أن يسلبها منك إذا حصلت عليها"، في الحقيقة لا معرفة تضُر صاحبها إذا كان باحثًا عن الحقيقة، المعرفة التي أعطاها السجين الذي يتّبع شخص ادّعى النبوّة "نبي إلى السود في أميركا" إسمه "إليجا محمد" كانت لفتة لإدراك مالكوم أنَّه يجب أن يكون لنا قضيّة.

العمر سبع وعشرون عامًا إلى الأربعين

الشيء الذي بقي في كل مرحلة من مراحل حياة مالكوم هي الإخلاص، كانَ مُخلصاً لاليجا محمد لدرجة أنَّ امرأته قالت له إنك أعمى، وكان من قبل مخلِصاً لزعيم العصابة الذي يعمل بها.

المعرفة الناقصة التي نؤمن بها دون البحث عن ما يكمّلها لهِيَ نقيضة الايمان بالمعرفة، وهذا ما حدث مع مالكوم، رغم نقلته القويّة إلّا أنه بقي يتبنّى أفكار شخص لا أفكاره الخاصّة، ولو نلاحظ محاضرته المسجلة في تلك الفترة والمحاضرات التي ألقاها بعد انفصاله عن "إليجا محمد" سنجد أنَّها أكثر منطقيّة وأكثر فهمًا لمشكلة السّود، هذه النقلة في الفكر تطلّبت منه رحلة سفر طويلة ليزور عدّة دول وعلماء لفِهم الإسلام الذي جاء به محمد عليه السلام، في رسالة كتبها إلى زوجته قال لها: "بعد معرفة الاسلام إنني أكثر معرفة الآن بمشكلتنا نحن السود وأننا لا يمكن أن نحلها إلا بالاسلام"، عندما أخلصَ مالكوم إلى الفكرة وتخلَّص من الاخلاص الأعمى إلى الأشخاص كان نموذجاً فعليّاً لحل أكبر مشاكل أمته.

الفصل الأخير من الحكاية

نستطيع أن نقول إن الخلافات الداخلية بين السود أنفسهم كانت أكبر من قضيتهم، عندما اغتال أحد رجال "إليجا محمد" مالكوم إكس فعليّا هو اغتال آخر فرصة للسود لتحقيق قضيتهم، وفي الحقيقة هذا يتكرر في كل حركات التحرر التي تظهر، كما قال الشهيد يحيى عيّاش "إننا نعتبرهم من بني جلدتنا وهم يحاربوننا بالنيابة".

مالكوم أُغتيلَ واقِفاً بمحاضرته الأخيرة بستة عشر طلقة من رشّاش ومسدّس وكان مطاردًا ومهدّدًا بكل معنى الكلمة.