أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

عجائب خلق الله: النباتات الخشبية


أ - س


رغم قسوة الحياة وندرة المياه في الصحارى، نجد أن ثمة نباتات استطاعت أن تواجه التحدّي وتعيش هناك. بل إننا نجد أن هناك نباتات استطاعت أن تخزن الماء في جوفها لتبقى حية، وغيرها اتخذ أشكالاً مناسبة ليُبعث من موته فيجعل الأرض خضراء مزخرفة بعد أن يسمع صيحة السماء.

تناولنا بالدراسة في الحلقتين السابقتين عن "النبات في الصحراء" نوعين من النباتات التي منحها المولى عزّ وجلّ القدرة على التكيُّف مع مناخ الصحراء الجاف والإقامة فيها رغم شح المياه وصعوبة توافر العوامل المساعدة. وهذان النوعان كانا: النباتات السريعة الزوال أو المؤقتة والنباتات العصارية أو الصباريات. وفي هذه الحلقة الأخيرة في هذا الموضوع سنبحث عن نوعٍ ثالث أقام مملكته في الرمال الحارة ورضي بها وطناً ويُسمى النباتات الخشبية.

نجد مثل هذه النباتات في الصحارى القريبة من البحر المتوسط وفي المناطق ذات المناخ المتوسطي وهي لا تختزن المياه كما في حالة النباتات العصارية، بل إنها تقاوم الجفاف بفضل بعض التغييرات الشكلية والتشريحية التي تطرأ عليها. وأمثلتنا على مثل هذه النباتات كثيرة يكفينا منها شجرة النَّخيل المعروفة والتي يقدّر عددها بحوالي مئة مليون شجرة متوزعة حيث المناخات الملائمة.
وتتباين النباتات الخشبية في طريقة تحمّلها للجفاف، فمنها ما تعتمد على زيادة مقدار حصولها على الماء ومنها ما تعمل على تقليل كمية فقدانه.

وتتميّز هذه النباتات بوجود جهاز جذري متنوع الأشكال وبنمو سريع لهذا الجذر، إذ يقدر نمو جذور أحد الأنواع خلال فصل واحدٍ بمترٍ ونصف المتر؛ ولن نستغرب ذلك إذا عرفنا أن هذه النباتات تعتمد على تلك الجذور في تحصيل المياه لأنها تمتلك مناطق كثيفة من الشعيرات الماصَّة ولأن حجم تلك الجذور يصل إلى حيث يعادل عدَّة مرات حجم الجزء الهوائي للنبات. ويمكننا أن نكشف - على سبيل المثال - عن أن الجذر الرئيسي لإحدى هذه النباتات قد يصل إلى أعماقٍ كبيرة بحثاً عن المياه الجوفية. وقد لوحظ أنَّ بعض الأنواع التي لا يتعدى طول ساقها عدة سنتيمترات يصل طول جذرها إلى أكثر من متر واحد وفي بعضها أكثر من أحد عشر متراً وفي بعضها الآخر يصل إلى ثلاثين متراً. وهذه النباتات تملك شبكة من الجذور السطحية الواسعة الانتشار (الصورة) تؤمن لها صيد وامتصاص الكمية العظمى من الأمطار قبل أن تغور في أعماق التربة. والمعروف أن سبعاً وتسعين في المئة من المياه الهاطلة في المناطق الجافة تحفظ في الطبقة السطحية من التربة.

إن نظام الامتصاص الأفقي والعمودي للمياه يؤمِّن التغذية المائية الكافية لهذه النباتات بحيث تصبح قادرة على تحمل شدة الجفاف وطول فترته. وتقوم أوعيةٌ خشبية خاصة متطورة وواسعة، تسمح بالجريان السريع، بنقل المياه الممتصَّة من قبل الجذور إلى الأوراق. وهناك بعض الأنواع التي تعتبر دليلاً على وجود المياه الجوفية حيث تنبت، والنوع المسمى "نبات المياه الجوفية" تمتد جذوره الرئيسية لأكثر من عشرين متراً بحثاً عن المياه. وقد قام أحد العلماء ويدعى "بافيليشنكو" بقياس جذور أحد أنواع هذه النباتات الموجودة في دائرةٍ شعاعها متر وعشرون سنتيمتراً وعمقها متران فوجد أن أطوالها تصل إلى حوالي خمسمئة كيلومتر. وهناك نوع آخر من النباتات الخشبية يحاول أن يقلل من فقدان الماء إلى الحد الأدنى ولذلك فقد اتَّخذ أشكالاً معينة كخلوَّه من الأوراق مثلاً. وهذه النباتات هي عبارة عن غصون فقط تحتوي على الكلوروفيل. ولذلك فهذه الأغصان تقوم مقام الأوراق في عملية التمثيل الضوئي وإنتاج الغذاء.

وهناك أنواع من نباتات الصحراء أخذت شكل الكرة أو الوسيدة (تصغير وسادة) وهي أنواع معمّرة قسمها الخضري أخذ شكل الكرة أو الوسيدة، يصل حجم الكبيرة منها إلى متر كامل. وقد تبيّن من خلال التجارب التي أُجريت على تلك النباتات داخل وساداتها بأن درجة حرارتها لا تعلو على عشرين درجة مئوية في وقت تكون فيه حرارة التربة خمساً وثلاثين درجة مئوية عند الظهر. أما نسبة الرطوبة داخل هذه الوسيدات فتظل ثابتة تقريباً خلال ساعات النهار في مستوى ثمانين في المئة بينما تصل في التربة خلال ساعات الظهيرة إلى حدود الخمسة في المئة. وبهذا يكون هذا النبات قد حُصِّن ضد الجفاف بحصوله داخل وسيدته على مناخ خاص ملائم للنمو يستطيع فيه تحقيق كل عملياته الحيوية على أكمل وجه.

وهكذا تكون قد أنهينا البحث في موضوع "النباتات الصحراوية" التي هداها الباري الجليل بعظيم تدبيره وإتقانه إلى طرق وأساليب تأخذ بالعقول والقلوب لشدّة نظمها ودقتها في تأمين حاجات البقاء في هذا المناخ الجاف الفاقد للشروط الرئيسية للنمو والحياة. فسبحان الذي أنبت في الأرض من كل شيء موزون.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع