fbpx

كيف تكون مقاوماً في 2023؟ 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

 ربما تشابهت أساليب القمع واختلفت أساليب النضال، لكنّه ما زال نضالاً ينبع من شعور واحد وهو المقاومة، لأنّ المقاومة وبحسب التعريف الذي يتبناه أي مجتمع يعيش وسط القمع، هي ردة فعل وليست فعلاً مباشراً يتشكّل فجأة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مؤخراً، وخلال الحرب على غزة، طُرح سؤال “هل كنت لتزور غزة وأنت مثليّ”، وقوبل هذا السؤال بسؤال آخر: “هل يوجد مثليون في غزة”؟. ومع رواج أسئلة كهذه، انتشرت صور من مبادرة Queering the Map، وهي مبادرة تهدف إلى مشاركة قصص كويرية ومثلية من جميع مناطق العالم، التي شملت طبعاً قطاع غزة.

 حملت هذه الرسائل مع بدء الحرب على غزة أطيافاً كثيرة، فماذا يعني أن يقبّل حبيب ما حبيبه على شاطئ غزة ويموت في اليوم الثاني. للأسف، العالم منفصل. يضع الناس في خانات، ولا يصدّق وجود أفراد ضمن أفراد، ولهذا علينا أن نبرهن لبعض البيض والذين غالباً ما يتبنون النضال الكويري الصحيح ويعلّبونه بحسب وجهات نظرهم، أنّ هناك مثليين في غزة يستحقون الحياة. لكن، يأتي هذا كلّه من فكرة أنّ المثلي مسالم، وهي صورة كوّنها العالم المغاير عن المثلي، إذ تقبّله فقط كرجل أنثوي، يتعرض للقمع ولا يمكن أن يحمل بندقية أو أن يناضل. فهو مثلي. ولهذا، نشعر وكأنّ هناك شروطاً للمقاومة والنضال، وطرقاً علينا أن نتبعها لنعلم ما إن كنا نستحق الحياة أم لا. 

بالطبع، تأتي هذه الأسئلة أحياناً من أشخاص يدعمون “إسرائيل” المبنيّة على أساس تمييز عنصري رافض للغير، وهو عكس الكويرية أصلاً، فقد احتضنت إسرائيل المثليين/ات لتبيّض صورتها وأيضاً لتستغلّ رفض المجتمع الفلسطيني لهم/ن وتبنيهم/ن لخدمتها (والتي أحياناً يكون هدفها إستخباراتياً). 

هناك حاجة ماسة الى أن نذكّر العالم بأنّ هناك مثليين في غزة، مثلما اضطررنا أن نذكره سابقاً بأنّ هناك مثليين في الضاحية الجنوبية لبيروت. لكن استخدام هذه الحجّة لنيل شفقة الرجل الأبيض لا يخدم أي قضية، سواء الفلسطينية أو الكويرية، بل يضعها في إطار محدد وضعه لها مسبقاً. فالنضال الكويري اعتُبر نضالاً سلمياً، بدأ بتظاهرات في نيويورك، واستمر حتى اليوم. كما انتشرت جملة “الحب هو مقاومة” لتجريد الكويريين من أسلوب آخر من النضال، وحصر وجودهم بفكرة سلمية كالحبّ. لكن النضال الكويري مثله مثل الفلسطيني، وُلد بسبب العنف وكردة فعل على القمع، وفي انتفاضته أيضاً ووجه بالعنف.

 ربما تشابهت أساليب القمع واختلفت أساليب النضال، لكنّه ما زال نضالاً ينبع من شعور واحد وهو المقاومة، لأنّ المقاومة وبحسب التعريف الذي يتبناه أي مجتمع يعيش وسط القمع، هي ردة فعل وليست فعلاً مباشراً يتشكّل فجأة.

 لا أعلم إن كانت المقاومة شعوراً أو حاجة. فهي في علم النفس الرفض وشعور سلبي وعدم تقبّل، وهي كذلك بالفعل. فالمقاومة هي عدم تقبّل ما يجري لنا. ورغم أنّها وُضعت في خانة سلبية وعُرفت غالباً على أنّها رفض ما هو “جيّد وعادي”، إلّا أنّها إيجابية في زمننا هذا. وهنا ربما يمكن القول إنّها فعل إيجابي بالنسبة الى الأشخاص الذين يحتاجون إليها. لكن ارتدى شعور المقاومة هذا أقنعة كثيرة، ولبس تعريفات عدّة، حتى بتنا تائهين، كيف نبني شعور مقاومة صحياً وكيف نناضل ومن نحن لنقاوم وهل لنا حقّ المقاومة؟

حملت هذه الرسائل مع بدء الحرب على غزة أطيافاً كثيرة، فماذا يعني أن يقبّل حبيب ما حبيبه على شاطئ غزة ويموت في اليوم الثاني.

احتُكرت المقاومة من جهات كثيرة، وهذا بالطبع لخدمة مصالح هذه الجهات. فهناك بلدان غربية تستقبل فنّك الفلسطيني وتعطيك المجال لتنتقد السياسات الغربية، حتى أنّها تموّل هذا الفن وتعرضه في متاحفها، وقد يكون ذلك متأتياً من وجهة نظر استعمارية، إذ إنّ فنّك يعجب الرجل الأبيض ويثير فضوله وشفقته بطبيعة الأحوال، ما يضعه في مكان المخلّص. وأنت عليك أن تقبل بهذا الواقع لأنّ هذا الفن ربما قد تم رفضه في بلدك ولم يتم تقديره حقاً. لكن مع هذا، حينما تحتاج إلى أن تغيّر مقاومتك وتجعلها مستفزّة، لن يتقبلك الخارج، أنت الذي تدافع عن أرضك، ليس بالبندقية وإنما بالفرشاة والقلم. اليوم، هناك أسوأ من هذا كله. إذ يتم استبعاد الفنانين/ات الفسطينيين/ات لأنّ أسلوب المقاومة في بلادهم بدأ يستفزّ الغرب، فهؤلاء الفنانون مرحبّ بهم في أوقات السلم فقط، وكأنّ المقاومة يحدّد العالم الغربي “المتطور” أساليبها ويضع شروطها.

اليوم، ننتظر موقف الفنانين والأصدقاء مما يجري، وهذا أمر ربما لا يمكنني شخصياً تحديد ردة فعلي تجاهه. هناك فنانون أو أصدقاء يعيشون في الغرب أو في دول الخليج، لا يتكلمون شيئاً، ولا يشاركون، هل نخوّنهم لهذا السبب أو نعاتبهم أو نتفهم أنّ مستقبلهم يأتي أولاً؟ لا أعلم، فقد تعلمنا نحن سكان العالم “الثالث” (ولا أعلم ما هي صفتنا اليوم أو تصنيفنا) أن نردد امتيازاتنا دائماً، ونعتبر أي حق عادي طبيعي امتيازاً، وأن نعترف بالامتيازات قبل أن نقول أي رأي أو نسرد قصتنا. ولهذا، قد نشعر بحساسية فائضة حينما يخذلنا أصحاب الامتيازات. 

اليوم، لسنا في مكان تجريد كل شخص من مخاوفه، بل نحن هنا لنغير هذه البوصلة التي أوهمتنا أنّ بلاد الغرب عادلة أصلاً، فهل ننشغل بلوم الأفراد الخائفين على مستقبلهم وننسى أن ننتقد الحكومات والمواقف؟ لا أعلم، هي معضلة غريبة تجعلني أشعر وكأنّني أملك امتيازاً جديداً، وهو التعبير عن موقفي من دون خوف أو إحياء شعور المقاومة في داخلي.

لا أعلم كيف أقاوم، وما هو أسلوب النضال اليوم. هناك آراء كثيرة، معظمها سام، يقف لك بالمرصاد ليضعك في “علبة” معينة، وأنت عليك أن تبرر وتبرهن أنّ رأيك صحيح. وهنا، الصحّ غير موجود لأنّ لا أحد يعلم من هو المقاوم المناضل عام 2023.

 مع هذا، الأمور اليوم تخرج عن الإطار التقليدي للرأي والهوية والنضال المسلّح، والذي كنّا نقرأ عنه في روايات الحرب القديمة، فما عادت تنفع البندقية حقاً. نحن، في زمن الثورة التكنولوجية، لربما شعرنا يوماً بأنّنا في زمن القرد الأكثر تطوراً والأكثر ذكاءً، القرد الذي اكتمل لدرجة أنّ هناك آلة تقوم بأعماله، القرد الذي صنع آلة كبيرة يمكن أن تدمرك وتدمر عائلتك. أمّا أنت، المسكين، فعليك أن تقتل شعور النضال والمقاومة داخلك، وتكتفي بالشعور بالخوف، لأنّ العالم المتطور صاحب الأموال والآلات، لا يكترث لك ولأحلامك، ويرتكب الجرائم بشكل عادي. القرد المتطور هذا، صنع الآلة، وللأسف سأكرر الـ”كليشيه” وأقول: فقد الإنسانية. 

المثير في 2023، أنّ هناك ثورة معلومات تعطينا الكثير من الأمل. فقد ساهمت البروباغندا الاستعمارية في تعليب المقاومة وجعلها إرهابية واتهامها بالشر حينما كانت هناك ردة طبيعية تأتي من شعور طبيعي يمر به أي فرد يشعر بالانتهاك والظلم. اليوم، هناك خطاب مقاوم لخطاب البروباغندا هذا. هل هناك مثليون في غزة؟ سؤال طُرح كثيراً، وتمت الإجابة عنه من منظورات مختلفة، منها سياسية ومنها تاريخية ومنها نضالية، يمكنكم أن تجدوها على “تيك توك” حتى، ويمكنكم أن تقتنعوا بها وحتى لو كنتم تعانون من رهاب المثلية. هذه الإجابات يكرهها حتى الرجل الأبيض لأنّها لا تمثل نظرته الى الكويرية، ولا تسمح له باستغلال الأفراد الكويريين.

 الجرائم التي نشهدها اليوم أعادت خطابات كانت اختفت في ظلّ انتشار الفكر الاستعماري أو الفكر الأبيض. بدأنا نسمع بأمور مثل السكان الأصليين، وتفكيك الاستعمار وبالطبع المقاومة. هذه المفاهيم التي كانت تختفي حتى يكمل العالم ثورته التكنولوجية بسلام وترضى عنّا معظم الحكومات والدول، تعود اليوم ربما لأنّ القرد المتطور الذي أوهمنا أنّه أفضل منّا على كل الصعد، ما زال قرداً ذكياً بأسلحته ومجردّاً من إنسانيته ولا يعلم سوى الاستعمار.

مع هذا، كيف تبني شخصية نضالية في ظل وجود خطابات كثيرة غير مفهومة؟ يقول كثيرون إنّه لا يمكن إدانة “حماس” أو اعتبارها منظمة إرهابية لأنّها مقاومة، والاستعمار لا يمكن مقاومته سوى بالنضال المسلّح مثلما فعل أجدادنا من قبل. وحتى هنا في لبنان، مع عودة “حزب الله” المقاوم، هناك أشخاص ربما كرهوه قبل هذه الحرب لكنه بدوا شعبويين اليوم. فكيف تجد نفسك وسط هذه “اللخبطة، وكيف تكمل هذه الأيام من دون أن تقتل شعور المقاومة؟ فأنت بطبيعة الحال لن تكون جزءاً من المقاومة كحركة بل كشعور، وستحاول أن تقاطع بعض المنتجات وأن تضع منشورات على “الستوري”، ومع هذا، هل أنت فعلاً مقاوم؟ 

حتى نجد الإجابة، علينا أن نحضن امتياز الشعور بالمقاومة، وألا نضيع بأساليبنا النضالية. فالمهم في ذلك كله هو أنّك تعلم موقفك، وتدرك أنّه لا يمكنك أن تفعل شيئاً يشبه الصورة الرومانسية للمقاومة أو أن تحمل بندقية أو أن تقطع الوقود عن العالم. أنت البائس في هذه الجهة من العالم، عليك أن تحافظ على مشاعر أجدادك الأصليين وألّا تستبدلها بمشاعر المستعمر التي هي ساقطة في جميع الأحوال، عليك ألّا تقتل شعور الغضب وألّا تنشر الشفقة في قلوب المستعمرين، بل عليك أن تبني شخصية مقاومة نضالية كما يحلو لك. 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.